فأما (كيف) فهي سؤال عن حال فظاهر الشرط لو شرط بها يقتضي في أي حال كان المخاطب أن يكون السائل هو المستفهم فيها ، وهذا لا يجوز لأنه قد يكون المخاطب المسؤول عن أحوال كثيرة يتعذر أن يتفق للمجازى أن يكون عليها ، فلما كان متعذرا ذلك عليه سقط الجزاء ب (كيف) وجاز في (متى وأين).
فإن قال قائل : أليس قد أجزتم : كيف تكون أكون ، فظاهر هذا يقتضي ما منعتموه ، إذ جزمتموه (١)؟
قيل : الفرق بينهما أنا إذا رفعنا / الفعل بعد (كيف) فإنا نقدر أن هذا الكلام قد خرج عن حال عرفها المجازي فانصرف اللفظ إليها فلهذا صح الكلام.
فإن قيل : فهلا كان أيضا التقدير في الجزم هذا التقدير حتى يخرج عن حاله؟
قيل له : الأصل في الجزاء ب (إن) وأنت إذا قلت : إن تأتني آتك ، فوقت الإتيان غير معلوم ، فلما كان أصل الجزاء أن يقع مبهما وكذلك (متى وأين) قدرنا (كيف) أنها واقعة على حال معلومة عند المجازي خرجت من الإبهام وباينت حروف الجزاء فلهذا لم يجز الجزم بها على تقدير حال معلومة.
ووجه ثان في أصل المسألة أن الجزاء أصله يقع بالحروف إلا أن يضطر إلى الأسماء لما ذكرناه من الفائدة ، فإذا لم يضطر إلى استعمال الأسماء لم يجز أن يجازى بالأسماء ، ووجدنا (أيا) تنوب عن معنى (كيف) فاستغني بها عن (كيف). ألا ترى أن القائل إذا قال : في أي حال تكن أكن ، فهو في معنى : كيف تكن أكن ، فلما كانت (أي) تتضمن الأحوال وغيرها استغني بها عن (كيف).
وجه ثالث : أن الجزاء إنما هو ب (إن) وسنبين ذلك في بابه وإن لم يختص بالمعرفة دون النكرة ألا ترى أنك تقول : إن يقم زيد أقم ، وإن يقم رجل من
__________________
(١) في الأصل : جزتموه.