أقرب وإن كان فيه بعض البعد لأن تقدير الحكاية إنما يسوغ فيما جرى له ذكر ، ونحن نبتدئ الكلام بالمسألة التي ذكرناها ولم يبق ما يعمل عليه إلا قول يونس وقد طعن عليه أبو بكر ابن السراج (١).
فإن قال وجدت المفرد مما يستحق البناء ؛ فإذا أضيف أعرب نحو (قبل وبعد) فصارت الإضافة توجب إعراب الاسم ووجدنا (أيا) إذا أفردت أعربت وهذا نقض الأصول ، وهذا الذي حكيناه معنى قوله.
قال أبو الحسن : والذي قرره أبو بكر ليس بصحيح وذلك أن الإضافة تردّ الاسم إلى حال الإعراب إذا استحق البناء في حال الإفراد. فإذا كان الموجب للبناء في حال الإضافة ذلك الشيء كان حال الاسم مفردا أشد افتقارا إلى البناء ألا ترى أن (لدن) مبنية وهي مع هذا مضافة لأنها استحقت البناء في حال إضافتها ، وإذا كان ذلك على ما ذكرناه سقط ما اعتمد عليه أبو بكر (٢) وصح ما قال سيبويه ، وإنما وجب أن تعرب (أي) في حال الإفراد لأن الإضافة تعاقب التنوين وهي متضمنة للإضافة فلما زال لفظ الإضافة رجع التنوين ومتى حصل التنوين الذي هو علامة الانصراف في الاسم وجب أن يعرب.
فإن قال قائل : أليس الإضافة تقوم مقام التنوين ، فقد استويا فلم صار في حال الإضافة أولى من حال الإفراد؟
قيل له : لأنها إذا بنيت في حال الإضافة فإنما دخلها نقص واحد بالبناء ، فيحمل بناؤها في هذه الحال لخفة حكمه ، فإذا أفردت كرهوا أن يجمعوا عليها
__________________
ـ إلى غد) ، ففعلوا ذلك بأيّهم حين جاء مجيئا لم تجئ أخواته عليه إلا قليلا ، واستعمل استعمالا لم تستعمله أخواته إلا ضعيفا" الكتاب ٢ / ٣٩٩ ـ ٤٠٠ (هارون).
(١) انظر ذلك في الأصول ٢ / ٣٢٥ ، وأسرار العربية ٣٨٣.
(٢) قال أبو بكر بن السراج : " ... وأنا أستبعد بناء (أي) مضافة ، وكانت مفردة أحق بالنباء ..." الأصول ٢ / ٣٢٤.