والباء / قد بينا أنها لتوكيد (١) النفي فقبح أيضا أن يجمع بينهما لاشتراكهما في المعنى.
فإن قال قائل : فقد جوزت أن تلي (الباء) (ما) في قولك : ما بقائم زيد ، (واللام) لا يجوز أن تدخل على (أن) بحال فما الفصل بينهما؟
فالجواب في ذلك أن (اللام) مجردها يفيد التوكيد للجملة التي تدخل عليها كما تفيد (أن) ، وهما جوابان للقسم فقبح الجمع بينهما لاشتراكهما في معنى واحد ، وأما (الباء) فليست في نفسها للنفي وإنما هي مؤكدة لمعناها ، ولأجل مخالفتها في المعنى لحكم النفي جاز أن يليه ، فلهذا خالفت اللام (الباء) لما ذكرناه.
فإن قال قائل : أليس تقول : جاءني القوم كلهم أجمعون (٢) ، فتجمع بين توكيدين ، فهلّا جاز الجمع بين اللام و (إن)؟
فالجواب في ذلك أن أجمعين يفيد ما لا يفيده كلهم ، وذلك أن قول القائل : جاءني القوم كلهم ، يفيد مجيئهم ، والدليل على أنه لم يبق بعضهم ، وأجمعون يفيد ما أفاد كلهم ويزيد اجتماعهم في حال المجيء ، فلما اختلف (٣) معنيا التوكيدين جاز الجمع بينهما ، وقبح الجمع بين (اللام) و (إن) لا تفاقهما في المعنى.
فإن قال قائل : أليس قد تقول جاءني القوم أجمعون أكتعون أبصعون ، فكل هذه الألفاظ التي بعد أجمعين لا تفيد إلا ما تفيد أجمعون وقد جمعت بين توكيدين بمعنى واحد؟
فالجواب في ذلك : أن الأسماء التي بعد أجمعين لا معنى لها في نفسها ولا تستعمل بحال مفردة ، وإنما أتبع أجمعين بها لتحسين المعنى وتوكيده ، فلهذا جاز
__________________
(١) في الأصل : للتوكيد.
(٢) انظر الأصول ٢ / ٢١ ـ ٢٣ ، فقد تحدث ابن السرّاج عن التأكيد الذي يجيء للإحاطة والعموم (أجمعون ، كلهم).
(٣) في الأصل : اختلفت.