ووجه آخر : وهو أن الفاعل قد بينا أنه مشبه للمبتدأ إذ كان هو والفعل جملة فحسن عليها السكوت ، كما أن [المبتدأ](١) والخبر جملة يحسن عليها السكوت فلما وجب للمبتدأ أن يكون مرفوعا حمل الفاعل عليه.
ووجه آخر : وهو أن الفاعل لما كان في الترتيب أسبق من المفعول وجب أن يعطى حركة أول الحرف مخرجا كما أنه قبل المفعول ، وإنما وجب الابتداء بالفاعل على المفعول لأن (٢) الفعل منه يحدث فصار أحق بالتقديم من المفعول فوجب لهذه العلّة أن يرتب قبله ، وأيضا فإن الفعل يستغني بالفاعل عن المفعول ، نحو : قام زيد ، فصار المفعول فضلة يذكر بعد الفاعل فلهذا وجب تقديم الفاعل عليه.
ووجه آخر في استحقاق الفاعل الرفع أن الفاعل أقوى من المفعول ؛ لأنه يحدث الفعل فوجب أن يعطى أقوى الحركات وهو الضم والمفعول لما كان أنقص أعطي أضعف الحركات وهو الفتح.
فإن قال قائل : بأي شيء يرتفع الاسم وينتصب؟
فالجواب في ذلك أن الاسم إنما يرتفع بالإخبار عنه ، فلهذا لم يختلف حاله في النفي والإثبات ؛ لأنه في كلا (٣) الحالين مخبر عنه ، والفعل هو العامل فيه وفي المفعول ، وبعض النحويين يجعل العامل في المفعول الفعل والفاعل معا (٤) ، وهذا خطأ ؛ لأن الفعل قد استقر أنه عامل في الفاعل فيجب أيضا أن يكون هو عاملا في المفعول ، لأن الفعل بمجرده لا يصح أن يعمل في المفعول ، فإذا استقر للفعل العمل لم يجز أن يضيف إليه في العمل ما لا تأثير له في هذا الباب ، إذ كان زيد
__________________
(١) كتبت في الأصل على الهامش.
(٢) في الأصل لأنه.
(٣) في الأصل : كل.
(٤) منهم الفراء كما جاء في شرح الكافية للاستراباذي ١ / ١٢٨.