فإن قال قائل : فما الفصل بين جعلها منصوبة على الظرف وبين أن تجعل مفعولات كزيد؟ قيل له : الفصل بينهما أنه إذا كانت منصوبة على الظرف تضمنت (في) وإنما تحذف (في) استغناء بدلالة الظرف عليه ألا ترى أن قولك : ئقمت اليوم ، إنما معناه (١) : قمت في اليوم ، فحذف (في) فوصل الفعل إلى اليوم ، وإنما ينفصل حكم الظرف وغيره من المفعولين في الإضمار إذا قيل لك أضمر اليوم ، قلت : قمت فيه ، فأظهرت حرف الجر ، وإذا قيل لك أضمر زيدا في قولك : ضربت زيدا ، قلت : ضربته ، فانفصل الإضمار في اللفظ ، وإنما أظهرت المضمر ؛ لأن لفظ المضمر يدل على اللفظ دون غيره فأظهرت (في) لتدل بها على أن المضمر ظرف فلما كان الظرف يتضمن في وهو مفعول شبه بالمفعول الذي لا يتضمن حرف الجر لاشتراكهما في كونهما مفعولين ، فصار حمل الظرف على المفعول يفيدنا تخفيف اللفظ وإسقاط حرف الجر من تقديرنا ، ولم يجز حمل المفعول على الظرف ؛ لأن تلك توجب فعلا في النية ، واللفظ إنما حمل المفعول على الظرف لما ذكرناه من الخفة فإذا جعلت الظرف مفعولا على سعة الكلام أضمرته كما تضمر المفعول / فقلت اليوم قمته ، كما تقول : زيد ضربته ، قال الشاعر (٢) :
ويوم شهدناه سليما وعامرا |
|
قليل سوى الطعن النهال نوافله |
فإن قال قائل : فما الذي أحوج إلى نقل هذه الظروف إذا أقيمت مقام الفاعل؟
قيل له : لأن الفعل لا يتعلق به الفاعل بواسطة بينه وبين الفعل ، فلو لم تنقل هذه الظروف إلى باب المفعول كما قد أقمناها مقام الفاعل وهي مع ذلك
__________________
(١) في الأصل : منعناه.
(٢) البيت من البحر الطويل جاء في الكتاب ١ / ١٧٨ ، الكامل ١ / ٤٩ ، المقتضب ٣ / ١٠٥ ـ ١٠٧ ، كتاب الشعر للفارسي ١ / ٤٥ ، أمالي ابن الشجري ٣ / ٢٢٦ ، شرح المفصل ٢ / ٤٦ ، ارتشاف الضرب ٢ / ٢٧٠ ، مغني اللبيب ٦٥٤ ، الهمع ٣ / ١٦٦ ، وقد نسبه بعضهم لرجل من بني عامر.