الاسم المجرور إنما يحسن أن تقيمه مقام الفاعل بأن تقدره تقدير اسم غير مجرور ، كأنك قلت : أذهب زيد ، إذا كانت الباء والهمزة تقومان مقاما واحدا ، فلما كان المجرور يحتاج إلى تقدير فعل كما تحتاج الظروف والمصادر استوى حكمها ، فلهذا صارت بالخيار. وإن كان مع المجرور اسم ليس بظرف ولا مصدر لم يجز أن تقيم المجرور مع حرف الجر مقام الفاعل كقولك : أعطي بزيد درهم ، فإنما لم يجز ذلك ؛ لأن الدرهم مفعول يحتاج إلى ضرب من النقل فوجب إذا ذكر الفاعل أن يستعمل ما لا يحتاج إلى نقل إذ كان أسبق في الحكم مما يحتاج إلى نقل فلهذه العلّة لم يجز أن تقيم الظروف والمصادر مقام الفاعل إذ كان معها مفعول (١) غير مستعمل بحرف جر إذ كانت المصادر والظروف / تحتاج إلى نقل ، والمفعول به لا يحتاج إلى نقل.
واعلم أن المتعدي إلى مفعولين ينقسم قسمين أحدهما : أن تدخل على المبتدأ والخبر نحو ظننت وأخواتها ، والآخر : ألا يدخل على المبتدأ والخبر نحو أعطيت وكسوت (٢) ، وامتحانها بأن تسقط الفعل وإن كان ما بقي من المفعولين يصح منه كلام فهو القسم الأول ألا ترى أنك إذا تقول : ظننت زيدا أخاك ، فحذفت ظننت جاز (٣) أن تقول : زيد أخوك ، فإذا قلت : أعطيت زيدا درهما ، ثم حذفت أعطيت ، فالوجه أن تقيم مقام الفاعل المفعول الأول كقولك : أعطي زيد درهما ، وإنما كان الاختيار هذا ؛ لأن المفعول الأول فاعل في المعنى لأجل المفعول الثاني ؛ لأنه أخذه فوجب أن تقيم مقام الفاعل من هو فاعل في الحقيقة ، إلا أنه يجوز أن تقيم الثاني مقام الفاعل إذا لم يشكل أنه مأخوذ كقولك : أعطي درهم زيدا ، وإنما جاز ذلك لاشتراكهما في الفائدة وإن الفعل تعدى إليهما على طريقة
__________________
(١) في الأصل : مفعولا.
(٢) انظر الكتاب ١ / ٣٧ ـ ٤١ (هارون) هذا باب الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين.
(٣) في الأصل : وجاز.