فإن قال قائل : إذا كان الإسكان جائزا في أصل الفعل قبل إتباعه ففيم الإسكان بعد ذلك؟ قيل له : لأن الإسكان بعد الإتباع أقوى ؛ لأن إسكان فتحة بعدها كسرة أقوى من إسكان كسرة قبلها فتحة لثقل الكسرتين ، فيجوز أن يكون اتبعوا ليكون أعدل في الإسكان.
فإن قال قائل : فمن أين زعمتم أن أصل هذين الفعلين : فعل ، وهلا كان على فعل أو فعل (١)؟ قيل له : الدليل على أن فعل لا يجوز إسكانه خفة (٢) الفتح فسقط أن يكون على فعل (٣) وجواز كسر أولهما دلالة فعل دون فعل ؛ لأن الثاني لو كان مضموما فيهما لم يجز كسر الأول ؛ لأنه لا كسر بعده فتكسر الأول للكسرة (٤) التي بعده ، ولا يجوز أن يكون الأصل فيهما كسر الأول وضم الثاني ؛ لأنه ليس في أبنيتهم ولا يوجد في كلامهم كسرة بعدها ضمة لازمة فوجب أن يكونا فعل لما ذكرناه. فإن قال قائل : فلم زعمتم أنهما فعلان ، وقد وجدنا العرب تدخل عليهما حرف الجر كقول الشاعر (٥) :
ألست بنعم الجار يؤلف بيته |
|
... |
وروي أن أعرابيا بشر بمولودة فقيل له : نعم المولودة مولودتك ، فقال : والله ما هي بنعم المولودة نصرتها بكاء وبرّها سرقة (٦)؟
__________________
(١) قال سيبويه : " وأصل نعم وبئس : نعم وبئس ، وهما الأصلان اللذان وضعا في الرداءة والصلاح ، ولا يكون منهما فعل لغير هذا المعنى". الكتاب ٢ / ١٧٩ (هارون).
(٢) في الأصل : لخفة ، وقد أثبت المناسب للسياق.
(٣) في الأصل : فعل.
(٤) مكررة في الأصل.
(٥) البيت من البحر الطويل وتمامه : أخا قلّة أو معدم المال مصرما
والبيت لحسان بن ثابت في ديوانه ، انظر شرح الديوان ٣٦٩ ، وهو في أسرار العربية ص ٩٧ ، وفي الإنصاف ١ / ٩٧ ، وفي شرح المفصل ٧ / ١٢٧.
(٦) انظر : شرح المفصل ٧ / ١٢٨ ، والكافية في النحو ٢ / ٣١١.