فإن قال قائل : فقد وجدنا المصدر يؤكد به الفعل كقولك : ضربت ضربا والتأكيد بعد المؤكد؟
قيل : هذا غلط / وذلك أن المصدر وإن أطلقنا عليه أنه توكيد فإنما يقتضي أنه بعد المؤكد في اللفظ ، كما أنك لو قلت : ضربت ضربت ، وجاءني زيد زيد ، وكررت الاسم والفعل لكان المكرر توكيدا للأول ، وليس الأول أصلا له من سبب أنه جاء قبله ، وأيضا فإن قولك : ضربت ضربا ، معناه أنك أوقعت فعلا ، فالمصدر مفعول كقولك : ضربت زيدا ، فلو اعتبرنا ترتيب اللفظ وكون الفعل عاملا فيما بعده وجعلناه أصلا لهذه العلّة لوجب أن يكون الفعل قبل الاسم ، أعني قبل زيد في قولك : ضربت زيدا ، وكذلك سائر الأسماء ووجب ما هو أقبح من هذا ، وهو أن تكون الحروف أصلا للفعل والاسم ، إذ (١) كانت عوامل فيهما فلما بطل هذا سقط الإلزام.
فإن قال قائل : قد وجدنا المصدر يعتل باعتلال الفعل ويصح بصحته كقولك : قام قياما ، والأصل قواما ، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، وجرى المصدر على فعل ، وقد اعتل ، فإذا قلت : قاوم فصححت الواو وقلت في المصدر : قواما فلم تقلب الواو لصحة الفعل ، فلما كان المصدر يتبع الفعل في اعتلاله وصحته وجب أن يكون الفعل أصلا له؟
قيل له : هذا غلط بيّن ، وذلك أن الشيء يحمل على الشيء ؛ لأنهما من نوع واحد ، لأن أحدهما أصل للآخر يحمل عليه لئلا يختلف طريق تصاريف الكلمة ، ألا ترى أنك تقول وعد يعد فتحذف الواو لوقوعها بعد ياء وكسرة حملا على يعد (٢) وليس يعد أصلا في (عد) ولكنه من نوعه ؛ فحمل عليه لئلا يختلف
__________________
(١) في الأصل : إذا ، وقد أثبت المناسب.
(٢) في الأصل : على ما يعد.