تصريف الفعل ، وكذلك المصدر لما كان مشتقا من لفظه صار بينهما مناسبة من جهة اللفظ فحمل عليه ، ومما يدل أيضا على فساد ما ألزمنا المخالف أن من مذهبه في الفعل الماضي في القبح على أن التثنية فرع على الواحد ، فإذا جاز للفراء أن يحمل الأصل على الفرع ، وهو المخالف لنا في هذه المسألة ، جاز لنا أن نحمل المصدر وإن كان أصلا للفعل في باب الإعلال وقد استقصينا هذه المسألة بأكثر من هذا الشرح في شرح كتاب سيبويه.
واعلم أن المصدر يقدر بأن والفعل متى لم يعمل فيه فعله المشتق منه ، فإن عمل فيه فعله لم يقدر بأن ، مثال قولك : أعجبني ضرب زيد عمرا ، فالتقدير : أعجبني أن ضرب زيد عمرا ، فلو قلت : ضربت زيدا ضربا لم يجز أن تقدره ب (أن) فتقول : ضربت زيدا ، وإنما وجب ما ذكرناه ؛ لأن لفظ المصدر لا يدل على معنى معين. فإذا قلت : أعجبني ضرب زيد ، لم يعلم أنه ضرب ماض أو مستقبل أو حال فتفصل بأن والفعل ، لأن لفظ الفعل يدل على زمان مخصوص فلهذا قدر ب (أن) إذا عمل فيه غير فعله ، وأما إذا عمل فيه فعله فلا حاجة بنا إلى تقديره ؛ لأن الفعل المتقدم قد دلّ على الزمان الذي وقع الضرب فيه ، وأمّا قوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) [البلد : ٩٠ / ١٤ ـ ١٥] ، إن قيل : أين فاعل الإطعام؟
قيل : هو محذوف من الكلام للدلالة عليه. فإن قيل : فما الذي يدل عليه؟ قيل قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) [البلد : ٩٠ / ١٢]. / هذا خطاب للنبيصلىاللهعليهوسلم ، دلّ ذلك على أن الفاعل هو المخاطب ، والتقدير أو إطعام أنت يتيما.
فإن قيل : فهلّا كان الفاعل مضمرا في الإطعام كما يضمر في اسم الفاعل كقولنا : أنت مطعم ، ففي مطعم ضمير مستتر كما استتر في الفعل إذا قلت تطعم؟ فالجواب في ذلك : أن المصادر لا تقبل الضمير وإن عملت عمل الفعل ،