يشكل عليه خطابك له إذ كان هذا اللفظ يصح أن يكون له ولغيره ، فهلّا جعل المنادى كالمضمر إذ كان مخاطبا وإن وقع فيه اللبس الذي ذكرته.
قيل : الفصل بينهما أن المنادى معرض عمن يناديه ، وليس يعلم أنه المقصود إلا بنفس اللفظ فقط ، واللفظ لا يدل عليه دون غيره فاحتجنا إلى ذكر اسمه ليعرفه (١) ، وأما المخاطب غير المنادى فثم إشارة بيد أو عين مع اللفظ ، فصار هذا المعنى يضطر المخاطب إلى العلم بأنه مقصود بالخطاب ، فلهذا استغني بالمضمرات عن الأسماء الظاهرة.
واعلم أن المنادى المعرفة فيه اختلاف فمن النحويين من يقول : إن تعريفه الذي كان فيه قبل النداء قد بطل وحدث فيه تعريف آخر بالنداء (٢). وأما ابن السراج فيقول تعريفه باق فيه (٣) ، والأجود القول الأول وإنما كان أجود ؛ لأن الاسم العلم تعريفه من جهة القصد ، وإذا اجتمع معنى القصد إلى النداء تعرف المنادى. ألا ترى أن قولك : يا رجل ، معرفة بالقصد و (يا) ، فوجب إذا نادينا زيدا وما أشبهه أن يبطل تعريفه من جهة النية ، ويصير ما حصل له من التعريف بالقصد
__________________
(١) في الأصل : ليرعفه.
(٢) قال المبرد : " قد علمنا أن المضاف معرفة بالمضاف إليه ، كما كان قبل النداء ، والنكرة في حال النداء ، كما كان قبل ذلك ، و (زيد) وما أشبهه في حال النداء معرفة بالإشارة ، منتقل عنه ما كان قبل ذلك فيه من التعريف.
ألا ترى أنك تقول إذا أردت المعرفة : يا رجل أقبل ، فإنما تقديره : يا أيها الرجل أقبل ، وليس على معنى معهود ، ولكن حدثت فيه إشارة النداء ، فلذلك لم تدخل فيه الألف واللام ، وصار معرفة بما صارت به المبهمة معارف" ، المقتضب ٤ / ٢٠٥.
(٣) قال ابن السرّاج : " فأما : يا زيد ، فزيد وما أشبهه من المعارف معارف مثل النداء ، وهو في النداء معرفة كما كان ، ولو كان تعريفه بالنداء لقدر تنكيره قبل تعريفه ، ويحيل قول من قال إنه معرفة بالنداء فقط ، إنك قد تنادي باسمه من لا تعلم له فيه شريكا ، كما تقول : يا فرزدق أقبل ، ولو كنت لا تعرف أحدا له مثل هذا الاسم ، ولو لم يكن عرف أن هذا اسمه فيما تقدم لما أجابك إذا دعوته به ، ومن قال إذا قلت : يا زيد : إنه معرفة بالنداء ، فهذا الكلام من وجه حسن ومن وجه قبيح عندي ..."
وقال أيضا : " وإنما ادّعى من قال : إن : يا زيد معرفة بالنداء لا بالتعريف الذي كان له".
الأصول ١ / ٣٣٠ ـ ٣٣١.