أحدهما : أنه يستحسن أن يقال : يا الله أمّنا منك بخير ، فيأتي ب (يا) في أول الكلام ، وأمّنا في آخره ، ولو كان على ما قال لحسن : يا اللهم اغفر لنا ، فلما قبح الجمع بين الميم و (يا) علمنا أن الأمر فيها على ما ذكرناه دون ما ذكره.
والوجه الثاني : أنه مستحسن / اللهم أمّنا منك بخير ، فلو كانت الميم المراد بها ما ذكر لحصل في الكلام الذي ذكرناه تكرار والتكرار مستقبح ، وحسن استعماله دليل على فساد ما قال إن شاء الله.
فقد ثبت بما ذكرناه أن يا لا تدخل على ما فيه الألف واللام ، فإن أردت أن تذكر اسما فيه الألف واللام جئت ب (أي) ، وأوقعت حرف النداء عليها كقولك : يا أيها الرجل أقبل ، ف (أي) هنا مبنية على الضم ك (زيد) وموضعها نصب ؛ لأن لفظ النداء وقع عليها ، والرجل مرفوع وهو نعت ل (أي) بمنزلة قولك : يا زيد الظريف ، إلا أن الرجل لا يجوز فيها النصب كما يجوز في الظريف (١) ، والفصل بينهما أن (أيا) إنما تدخل وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام فصارت معه كالشيء الواحد فجرى مجرى المفرد ، فأرادوا أن يكون لفظه كلفظ المفرد ، فلهذا لم يجز النصب في نعت (أي) ، وقد أجاز المازني النصب فيه تشبيها بنعت زيد (٢)
__________________
(١) قال سيبويه : «هذا باب لا يكون الوصف المفرد فيه إلا رفعا ... وذلك قولك : يا أيها الرجل ويا أيها الرجلان ... وإنما صار وصفه لا يكون فيه إلا الرفع لأنك لا تستطيع أن تقول : يا أيّ ولا يا أيها وتسكت لأنه مبهم يلزمه التفسير ، فصار هو والرجل بمنزلة اسم واحد كأنك قلت يا رجل».
الكتاب ١ / ٣٠٦ (بولاق)
وقال المبرد : " وإذا كانت الصفة لازمة تحل محل الصلة في أنه لا يستغني عنها لإبهام الموصوف لم يكن إلا رفعا لأنها وما قبلها بمنزلة الشيء الواحد ... وذلك قولك : يا أيها الرجل أقبل ..."
المقتضب ٤ / ٢١٦ ، وانظر مجالس ثعلب ٥٢ و ٦٥٤.
(٢) قال ابن يعيش : " فتقول يا أيها الرجل أقبل ، فيكون أي والرجل كاسم واحد ، فأيّ مدعو ، والرجل نعته ، ولا يجوز أن يفارقه النعت لأن أيا اسم مبهم لم يستعمل إلا بصلة إلا في الاستفهام والجزاء فلما لم يوصل ألزم الصفة لتبينه كما تبينه الصلة ، وقد أجاز المازني نصب ذلك حملا على الموضع قياسا على غير المبهم ، والصواب ما ذكرنا للمانع المذكور" شرح المفصل ٢ / ٣ ـ ٤.