استفهاما فصارت الألف محذوفة وحكمها باق فلهذا منعت الفعل من العمل في هذه الأسماء.
فإن قال قائل : فكيف جاز أن تعمل فيها حروف الجر كقولك : بأيّهم مررت؟
قيل له : الضرورة دعت إلى ذلك ، وذلك أن حروف الجر لا يجوز أن تقوم بأنفسها ولا بد أن تتعلق بما تدخل عليه ، وقد بينا [أن](١) الأسماء التي يستفهم بها تنوب عن شيئين عن ألف الاستفهام ، وعن الاسم ، فيصير قولنا : أيّهم في الدار؟ بمنزلة : أزيد في الدار؟ فإذا قلت : بأيهم مررت ، صار التقدير : أبزيد مررت ، لأن الباء موصلة للفعل الذي بعد الاستفهام (٢) ليعمل فيه لأنهما مقدران بعد ألف الاستفهام ، فلهذا خصت حروف الجر بجواز العمل من بين سائر العوامل ، ولهذه العلّة أيضا جاز لما بعد الاستفهام أن يعمل فيه.
واعلم أن الأفعال التي تدخل على الاستفهام لو قلت : ضربت أيهم عندك ، وأنت تريد الاستفهام كان محالا ، وإنما فسد ذلك ؛ لأن ضربت وما جرى مجراها لا يصح إلغاؤها ؛ لأنه فعل مؤثر فإذا تقدم قبل الاستفهام لم يخل من أحد أمرين : إما أن يعمل وإما أن يلغى ، وقد بيّنا أن عمل ما قبل الاستفهام باطل وأن إلغاء هذا الفعل أيضا محال ، فلذلك لم يجز هذا الكلام.
فأما أفعال القلوب فهي إذا توسطت بين مفعولين تلغى ، وقد بينّا فيما مضى لم جاز إلغاؤها ، وتقول : قد علمت زيدا أبو من هو ف (هو) خبر الأب ، والراجع إلى زيد (هو) ولما كان (هو) الأب لم يحتج الأب إلى راجع إليه ، وإنما صار النصب في زيد أقوى من الرفع ؛ لأن زيدا ليس بمستفهم عنه في اللفظ ، وإنما هو مستفهم عنه في المعنى ، واللفظ أقوى من المعنى ؛ لأن الحاسة تقع عليه من العقل ، والمعنى
__________________
(١) زيادة ليست في الأصل.
(٢) اللام زيادة ليست في الأصل.