إنما يقع عليه العقل فقط ، فلذلك كان النصب أقوى ، وأما قولهم : كلّ رجل وقرينه (١) فهو إضمار ليكن كل رجل مع قرينه ، والأحسن إظهار الفعل إلا أن العطف جعل كالعوض منه ، وكذلك ما ينصب في هذا الباب فهو معطوف أو مكرر ، ولا يجوز إظهار الفعل نحو قولك : رأسك والحائط ، والأسد الأسد ، وما أشبه ذلك لما ذكرناه من التكرار والعطف عوض عن الفعل ، فلم يجز إظهاره مع وجود العوض منه ، وأما قولهم : المرء مجزى بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر (٢) ، فإنما اختير النصب في الأول بإضمار (كان) لكثرة دورها في الكلام ، لأنها عبارة عن جميع الأفعال ، ألا ترى أنك تقول : قام زيد ، فيقول القائل : قد كان ذلك ، فلهذا وجب أن تضمر كان ، وإنما كان إضمارها مع اسمها أولى من إضمارها مع خبرها ، لأن الخبر منفصل من الاسم والاسم متمكن في الفعل فهو معه كالشيء الواحد ، فصار إضمارها مع اسمها أولى من إضمارها مع خبرها ، وكلما خف الإضمار كان أولى من كثرته ، وإنما لم تقدر (كان) بمعنى وقع وحدث وإن كان جائزا ؛ لأن كان التي بمعنى وقع وحدث فعل حقيقي بمنزلة ذهب وضرب ، وليس ككثرة (كان) التي للعبارة عن الجمل ، فلهذا كان الاختيار في الأول النصب ، فأما الذي هو [مرتبط ب](٣) الفاء فإنما اختير فيه الرفع ؛ لأن الفاء / التي تقع جوابا للجزاء إنما تدخل ليليها المبتدأ والخبر ، وإنما وجب ذلك ؛ لأن جواب الخبر إذا كان فعلا لم يحتج إلى الفاء ؛ لأن (أن) تعمل فيه ، فإذا كان خبرا ومبتدأ لم يجز ل (إن) أن تعمل في الأسماء ، فلو جئنا بالمبتدأ والخبر فجعلنا جوابا للشرط لم يعلم تعلقه به ؛ لأن الجمل قائمة بأنفسها فاحتاجوا إلى حرف يعلق الجملة بالشرط
__________________
(١) وردت في كتب النحو : كل رجل وضيعته. انظر الكافية شرح الاسترباذي ١ / ١٩٨.
(٢) انظر الكتاب باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره بعد حرف ١ / ١٣٠ (بولاق) ، وأصول ابن السرّاج ٢ / ٢٤٨.
(٣) زيادة ليست في الأصل.