فأتوا بالفاء ، فقد بان بما ذكرناه أن الفاء تطلب الاسم فوجب أن يضمر بعدها المبتدأ فيصير خبرا له ، فلهذا اختير الرفع في الثاني.
وأما الوجه الثاني فإنه صار أقرب إلى الأول ، لأنك تضمر أيضا بعد (إن) فعلا فأنت مخير إن شئت كانت (كان) التي بمعنى وقع ، وإن شئت أضمرت (كان) التي هي عبارة في خبرها.
والوجه الثالث أضعف من هذا ، لأنك تضمر بعد الفاء شيئين ، وهو الفعل والمبتدأ ، وذلك أنك إذا قدرت الكلام على شيء يجيء مؤخرا لم يكن بد للفاء من مبتدأ لما ذكرناه من أنها تطلب المبتدأ فضعف لكثرة الإضمار من غير ضرورة تدعو (١) إليه.
وأما الوجه الرابع فأضعفها ؛ لأنه عكس المختار ، لأنك ترفع الأول وتنصب الثاني فلهذا ضعف جدا ، وأما قولهم : قد كان ذلك إن صالحا وإن فاسدا ، فإنما وجب نصبه ؛ لأن قولك قد كان ذلك إشارة إلى أمر ما ، فالصالح والفاسد هو ذلك الأمر بعينه ، فإنما يرتفع مثل هذا على أنك تقدره اسم (كان) ، وتجعل الخبر في تقدير الظرف له ، ومحال أن تكون جملة الشرط ظرفا لجميعه فلهذا استحال أن تقدره بقولك : إن كان فيه صالح ، فأما إذا قلت : إن كان فيه صلاح أو فساد فجائز ؛ لأن الصلاح والفساد غير الشيء المذكور ، فجاز أن تقدر في تقديره الظرف للصلاح والفساد فلهذا حسن رفعه ، وأما قول الشاعر(٢) :
لا تقربنّ الدهر آل مطرّف |
|
إن ظالما فيهم وإن مظلوما |
__________________
(١) في الأصل : تدعوا.
(٢) البيت لليلى الأخيلية ، وهو من البحر الكامل ، وهو في ديوانها ١٠٩ ، وفي كتاب الجمل في النحو ، للفراهيدي ١١١ ، الكتاب ١ / ٢٦١ (هارون) ، شرح أبيات سيبويه للنحاس ١٢٣ ، شرح أبيات سيبويه للسيرافي ١ / ٣٤٥ ، وفي أمالي المرتضى ١ / ٥٨ ، وفي المساعد ١ / ٢٧١ ، وفي الارتشاف ٢ / ٩٧ ، وفي الهمع / ١٠٢.
والرواية في الديوان :
لا تغزونّ الدهر ... |
|
لا ظالما أبدا ولا مظلوما |