فإن قال قائل : فكيف جاز أن نقول : يوم الجمعة المال لك ، فتنصب يوم الجمعة بمعنى اللام والظرف مفعول فيه كما أن الحال مفعول فيها ، فمن أين اختلفا؟
قيل له : إنما جاز ذلك في الظرف لاحتوائه على الجملة المتعلق بها فصار في هذا المعنى تقديمه وتأخيره سواء ، وأما الحال فهي بمنزلة المفعول ، وليس فيها معنى الاحتواء فوجب أن يراعى فيها قوة العامل وضعفه.
واعلم أنما قبح من النكرة ؛ لأن معناها ومعنى الصفة سواء ، وذلك إذا قلت : جاءني رجل ضاحك ، فإنما أخبرنا عن مجيء رجل ضاحك ، ولم يجب أن يكون ضاحكا في حال خبرك ، فلما اتفق معنى الحال والصفة كان إجراء الصفة على ما قبلها أولى ؛ لأن اختلاف اللفظ لا يوجب اختلاف المعنى ، فإذا وجب أن يوفق بين اللفظين ، ويكون المعنى كمعنى المختلف كان أولى.
فأما المعرفة فالحال فيها مختلف كحكم الصفة وذلك أنك إذا قلت : جاءني زيد الظريف ، وجب أن يكون الظريف حالا له في حال خبرك ، ولو لا ذلك لم يحتج إليها ، لأن زيدا معروف ، وأما الحال فلا يجب أن تكون في الخبر فاصلة ، ولهذا حسنت الحال من المعرفة ، وقبحت من النكرة ، وقوله : أحسن ما يكون زيد قائما ، فأحسن رفع بالابتداء و (ما) مع (يكون) في موضع خبره لأنها مع الفعل مصدر ، ولا تحتاج إلى عائد يعود عليها إذا كانت مصدرا لأنها قد جرت في هذا الموضع مجرى (أن) كما لا تحتاج (أن) إلى عائد في قولك : أن يكون قائما أحسن ، فكذلك (ما) في هذا الموضع ، وعند الأخفش لا بد لها من عائد لأنها أبدا عنده اسم ، وإذا كانت اسما فلا بد لها من عائد إليها ففي هذه المسألة لا عائد عليها ، إذ هي بمعنى (أن) وهذا يدل على صحة قول سيبويه ، ونصب قائم على الحال (١) والعامل فيها فعل تقديره إذا كان قائما أو إذ كان قائما ، وإنما وجب إضمار (إذ) و (إذا) لأنهما يدلان على الزمان
__________________
(١) قال سيبويه : " ... فأما عبد الله أحسن ما يكون قائما فلا يكون فيه إلا النصب ، لأنه لا يجوز لك أن تجعل أحسن أحواله قائما على وجه من الوجوه ..." الكتاب ١ / ٢٠٠ (بولاق).