ووجه ثالث : أنها لما كانت مشبهة بالحروف في العمل وكانت الحروف مشبهة بالفعل صارت فرعا للفرع فضعفت فجعل البناء فيها دليلا على ضعفها.
واعلم أن النكرة التي تبنى مع (لا) في المفردة ، وإن كانت موصولة أو مضافة لم يجز البناء فيها ؛ لأن التنوين يصير في وسط الكلمة فيجري مجرى سائر الحروف ، والمضاف إليه يقوم مقام التنوين فيمنع أيضا من البناء ، وذلك نحو قوله : لا غلام رجل عندك ، ولا خيرا من زيد عندك ، فصار ما عوض فيها يمنع من البناء كما منع ذلك في المنادى.
واعلم أن النكرة التي تنصبها بالتبرئة أعني (لا) يراد بها الجنس ، ولا يراد بها نفي شخص واحد ؛ لأنها جواب تقتضي الجنس وليس يراد بها نفي شخص واحد ، فإذا قلت : لا رجل عندك ، فالمعنى لا واحد من هذا الجنس عندك ولا أكثر منه.
واعلم أن (لا) [و](١) ما تعمل فيه في موضع رفع بالابتداء ولا بد له من خبر وحكم خبره إن كان اسما أن يكون مرفوعا كخبر المبتدأ إذ كان هو الأول كقولك : لا رجل أفضل منك ، (٢) فأفضل منك خبر الابتداء ، وإن فصلت بين (لا) وما تعمل فيه بطل عملها ؛ لأنها مشبهة بالحروف فلم تقو على العمل مع الفصل ، ومع ذلك فإنها مع النكرة المفردة كاسمين جعلا اسما واحدا قام مقامهما ، فكما أن الفصل بين الشيئين اللذين هما كالشيء الواحد لا يجوز فكذلك أيضا لم يجز الفصل بين (لا) وما تعمل فيه إذ قد جريا مجرى شيء واحد.
واعلم أنك إذا رفعت ما بعد (لا) فعلى وجهين :
__________________
(١) زيادة ليست في الأصل.
(٢) انظر الكتاب ٢ / ٢٧٦ (هارون) هذا باب النفي بلا.