الحروف التي يليها الاسم مرة والفعل مرة ، وقد بيّنا أن من الحروف ما كان على هذا السبيل لم يعمل شيئا ، فإذا كان الأمر على ما ذكرناه ، ووجدنا العرب تنصب الفعل بعد الفاء في جواب ما ذكرناه علمنا أن النصب إنما وجب بغيرها ، وإنما هو بإضمار (أن) ووجه تقدير (أن) بعد الفاء أن تقدر ما قبلها تقدير المصدر المقدم قبلها كقولك : ما تأتيني فتحدثني ، والتقدير ما يكون منك إتيان فحديث ، وإنما وجب أن تقدر ما قبل الفاء بتقدير المصدر ، لأنه لا يخلو أن يكون ما قبلها فعلا وفاعلا أو مبتدأ وخبرا ، والفعل يدل على المصدر والجملة أيضا يجوز أن تجعل في تقدير فعل وفاعل كقولك : ليت زيدا عندنا فنكرمه ، أي ليت كونا من زيد فإكراما ، وعلى هذا يجري جميع ما يقع قبل الفاء إذا نصبت ما بعدها ، وإنما كانت (أن) بالإضمار أولى لأن الأصل في حروف النصب أن يليها الماضي والمضارع ، فلقوتها كانت أولى بالإضمار من أخواتها ، وجاز أن تضمر وتعمل وإن كانت حرفا ، لأن الفاء قد صارت عوضا منها ، ولم يجز إظهارها لأن ما قبلها في تقدير المصدر من غير إظهار اللفظ ، فلما كان المعطوف عليه مصدرا غير مظهر اختاروا أن تكون (أن) مضمرة بعد الفاء ليشاكل ما قبلها.
واعلم أنك إذا قلت : ما تأتيني فتحدثني ، فلك فيه وجهان : النصب والرفع ، فالنصب على ما قدرناه ، ومعنى الكلام إذا نصبت على وجهين :
أحدهما : أن يكون معناه ما تأتيني فكيف تحدثني ، أي الذي يمنع من الحديث ترك الإتيان ، (١) وإنما دخل هذان المعنيان في معنى حكم المنصوب لأن الفاء قد بينا أنها للعطف ويجب أن يكون الثاني بعد الأول ، فلما كان / معنى قولك : ما يكون منك إتيان فحديث منقطعا من الأول متصلا من أصل اللفظ ، جاز أن ينفي الإتيان ويتعلق الحديث به وينتفي معه لدخول معنى الاتصال في الفاء.
__________________
(١) استغنى الوراق عن ذكر الوجه الثاني لتقدمه.