وأما الرفع فعلى وجهين :
أحدهما : أن يكون الفعل معطوفا على ما قبله ويكون النفي قد تناول الإتيان على حدة والحديث على حدة ، أي : ما تأتيني وما تحدثني.
والوجه الثاني : أن يكون الإتيان منفيا ويكون ما بعد الفاء مبتدأ وخبرا على طريق الاستئناف كأنك قلت : ما تأتينا فأنت تحدثنا ، فيكون الحديث كائنا والإتيان منفيا ، وأما قوله تعالى : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٧٧ / ٣٦](١) وقوله : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) [فاطر : ٣٥ / ٣٦](٢). فإنما رفع يعتذرون بالعطف على يؤذن أي ليس يؤذن لهم ولا يعتذرون ، وقد قرئ (٣) بالنصب على تقدير لا يكون إذن فعذر ومعناه أنه لو أذن لهم اعتذروا ولكن سبب العذر ارتفاع الإذن ففي نصب الثاني يجب الأول في الرفع ليس لأحدهما تعلق بالآخر ، وأما قوله تعالى : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) فإنما جاء منصوبا لأن الموت ليس بفعلهم ولا يقع مبتدأ منه كما يصح وقوع الاعتذار منه من المعتذر ، فصار القضاء سببا للموت ، فلذلك وجب النصب ، ولا يحسن رفعه لأنه وجب أن يكون الموت وقع مبتدأ الحكم فيه من الميتين ، ويجوز الرفع فيه بالعطف على يقضي ، ويستدل بالمعنى إذ كان قد ينسب فعل الموت إلى الإنسان وأن الله تعالى هو الفاعل فيصير التقدير لا يقضى عليهم ولا يموتون لأن الله عزوجل لا يريد موتهم. وأما قوله تعالى :
__________________
(١) قال الفراء : " رويت بالفاء أن يكون نسقا على ما قبلها ، واختير ذلك لأن الآيات بالنون ، فلو قيل : فيعتذرا ولم يوافق الآيات. وقد قال الله جل وعز : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) بالنصب ، وكلّ صواب ...".
معاني القرآن (عالم الكتب) ٣ / ٢٢٦ ، وقد نقل القرطبي كلام الفراء هذا في تفسيره انظر ١٩ / ١٦٦.
(٢) والآية : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ).
وقد قرأها الحسن : (لا يقضى عليهم فيموتون) ، وكذلك الثقفي ، قال أبو الفتح : (يموتون) عطف على (يقضى) أي : لا يقضى عليهم ولا يموتون. والمفعول محذوف أي : لا يقضي عليهم الموت. وحسن حذفه هنا لأنه لو قيل : لا يقضي عليهم الموت فيموتون ، كان تكريرا يغني من جميعه بعضه. انظر المحتسب لابن جني ٢ / ٢٠١ ـ ٢٠٢.
(٣) في الأصل : قرأ.