فلما لم يكثر لم يجز القياس عليه وأما ما ذكرنا عن الصفة الغالبة وما كان في معنى المصدر وما كان اسما غالبا فعلّة بنائه حمله على فعل الأمر ، وإنما حملت لأنها مشاركة له في اللفظ والمعنى ، وأما من جهة اللفظ فلاشتراكهما في العدل وأنهما مؤنثان. فلما شاركت هذه الأشياء الثلاثة فعال التي للأمر من جميع وجوهها حملت عليها ، والدليل أن فعال التي للأمر [للمؤنث](١) قول الشاعر (٢) :
ولأنت (٣) أشجع من أسامة إذ |
|
دعيت نزال ولجّ في الذّعر |
فقال دعيت ، وإنما ساغ التأنيث ها هنا لأنهم يريدون النزلة ، والمصادر قد تكون مؤنثة فلذلك ساغ التأنيث في (فعال) كأنه مصدر مؤنث أقيم مقام الفعل ، وأما بنو تميم فيخالفون فيما كان من فعال اسما غالبا فيجرونه مجرى ما لا ينصرف (٤) ، وإنما وافقوا أهل الحجاز في الصفة والمصدر ، لأن الصفة مضارعة للفعل ، والمصدر مشتق منه الفعل فيعمل عمله ، فصار بهذا أيضا مضارعا للفعل ، وكأنهم لما بنوا فعال التي قامت مقام فعل بنوا أيضا فعال التي يراد بها الصفة والمصدر لمضارعتها الفعل ، وأما فعال المعدولة عن اسم علم فليس بمضارع للفعل ، وقد كان قبل العدل لا ينصرف لأنه معرفة مؤنث ، والعدل لا يخرجه عن حكمه
__________________
(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) البيت من الكامل وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ٢٨ ، وفي الكتاب ٣ / ٢٧١ ، وفي الكامل ٢ / ٥٨٨ ، وفي المقتضب ٣ / ٣٧٠ ، وشرح أبيات إصلاح المنطق ٥٣٩ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٣١ ، وفي أمالي ابن الشجري ٢ / ٣٥٤ ، وفي الإنصاف ٢ / ٥٣٥ ، وفي شرح المفصل ٤ / ٢٦ ، وفي اللسان (نزل) ١٤ / ١٨١ ، وفي الهمع ٥ / ١١٩ ، وفي الخزانة ٦ / ٣١٦.
ولصدر البيت رواية أخرى وهي رواية الديوان : ولنعم حشو الدّرع أنت إذا ...
(٣) في الأصل : ولا أنت.
(٤) قال سيبويه : " واعلم أن جميع ما ذكرنا إذا سميت به امرأة فإن بني تميم ترفعه وتنصبه وتجريه مجرى اسم لا ينصرف ، وهو القياس ، لأن هذا لم يكن اسما علما ، فهو عندهم بمنزلة الفعل الذي يكون فعال محدودا عنه ...". الكتاب ٣ / ٢٧٧ (هارون).