ووجه آخر : أن الفعل يدل على مصدر وزمان ، والزمان جزء من الفعل ، فلما جازت إضافة البعض إلى الكل / جازت إضافة الزمان إلى الفعل كما يجوز أن تقول : ثوب خزّ. وقال الأخفش (١) في ذلك إن جميع ظروف الزمان يتعدى الفعل إليها بغير توسط حرف الجر ، وظروف المكان إنما يتعدى الفعل إلى المبهم منها بغير توسط حرف الجر فجعلت إضافة ظروف (٢) الزمان إلى الفعل عوضا من ذلك (٣).
فأما (حيث) من ظروف المكان فيجوز إضافتها إلى الفعل تشبيها ب (حين) لأنها مبهمة في المكان كإبهام حين في الزمان ، فلذلك جاز إضافتها إلى الفعل ، فاستقر بما ذكرنا أن الجر للأسماء والجزم للأفعال ، وبقي الرفع والنصب مشتركين للأسماء والأفعال.
فإن قال قائل : قد قلتم إن أصل الأفعال السكون ثم بينتم وجوب الإعراب للمضارع ، فمن أين اختلف فعل الأمر ، والفعل الماضي فبنيتم الماضي على الفتح ، والأمر على السكون؟ فالجواب (٤) في ذلك أن الفعل الماضي قد حصلت له مشابهة بالاسم من وجه ، وذلك في الصفة نحو قولك : مررت برجل قام ، كما تقول : مررت برجل قائم ، ويقع موقع المضارع في الشرط كقولك : إن ضربت ضربت ، فهو بمنزلة : إن تضرب أضرب ، وفعل الأمر لا يقع هذا الموقع فجعل للماضي مزية على فعل الأمر ، ولم تبلغ هذه المزية أن توجب له الإعراب ، فوجب أن يجعل الماضي حكمه بين حكم المضارع وبين فعل الأمر فمنع الإعراب لنقصه عن المضارع ، وفضل بحركة لمزيته على فعل الأمر.
__________________
(١) هو الأخفش الأوسط أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعي ت ٢١٥ ، وكان بصريا.
انظر : طبقات النحويين واللغويين ٧٤ ، والإنباه ٢ / ٣٦ ، وإشارة التعيين ١٣١ ، والبغية ٢٥٨ ، ومعاني القرآن للأخفش ١ / ١٣.
(٢) في الأصل : حروف. وقد أثبت ما رأيته مناسبا.
(٣) للتفصيل انظر معاني القرآن للأخفش ١ / ٨٨ ـ ٨٩ باب إضافة الزمان إلى الفعل.
(٤) يشرح الورّاق هنا ما ذكره سيبويه في الكتاب ١ / ١٦ (هارون).