فإن قال قائل : فلم جعلت تلك الحركة الفتحة؟ قيل : لأن الغرض بتحريكه أن تحصل له مزية على فعل الأمر ، وبالفتح نصل إلى غرضنا كما نصل بالضم والكسر. إلا أن الفتح أخف الحركات فوجب استعماله لخفته. ووجه آخر : وهو أن الجر لما منع الفعل ، وهو كسر عارض ، والكسر اللازم أولى أن يمنع الفعل ، فلهذا لم يجز أن يبنى على الكسر ولم يجز أن يبنى على الضم لأن بعض العرب (١) تجتزئ بالضمة عن الواو فتقول في قاموا : قام ، قال الشاعر (٢) :
فلو أن الأطبا كان حولي |
|
وكان مع الأطباء الأساة |
فلو بنى على الضم لالتبس بالجمع في بعض اللغات (٣) فأسقط للالتباس (٤) ، وأسقط الكسر لما ذكرناه ، فلم يبق إلا الفتح فبني عليه.
فإن قال قائل : ما تنكرون أن يكون فعل الأمر مجزوما بلام محذوفة ، لأن الأصل في قم : لتقم (٥) والدلالة في ذلك قراءة النبي صلىاللهعليهوآله : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : ١٠ / ٥٨](٦) فحذفت اللام والتاء ، وبقي الفعل مجزوما كما كان.
قيل له هذا يفسر من وجوه :
__________________
(١) قال الفراء في معاني القرآن : " إن إسقاط الواو لغة في هوازن وعليا قيس" ١ / ٩١.
(٢) البيت من البحر الوافر ، ولم يعرف قائله وهو في معاني القرآن للفراء ١ / ٩١ ، والإنصاف ١ / ٣٨٥ والرواية فيه (الشفاة) ، وأسرار العربية ٣١٧ والرواية فيه (الشفاء) ، والمساعد ١ / ٨٥ ، ارتشاف الضرب ٣ / ٣٠٩ ، وشرح المفصل ٧ / ٥ ـ ٩ / ٨٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٥١ ، والهمع ١ / ٢٠١ ، والخزانة ٥ / ٢٢٩.
(٣) في الأصل : اللغاة.
(٤) في الأصل : للإتباس.
(٥) هذا مذهب الكوفيين كما جاء في شرح الأشموني ١ / ٢٣.
" وأما الأمر فذهب الكوفيون إلى أنه معرب مجزوم بلام الأمر مقدرة ، وهو عندهم مقتطع من المضارع ، فأصل : قم : لتقم ، فحذفت اللام للتخفيف ، وتبعها حرف المضارعة ...".
(٦) والآية : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ،انظر حجة القراءات ٣٣٣ وفيه أن يعقوب قرأها عن رويس وجعلها هي الأصل ؛ لأنها عن النبي صلىاللهعليهوآله ، والمبسوط في القراءات العشر ٢٣٤.