ثلاث مئين ، وتسع مئين ، أو مئات كما قلنا آنفا ولكنهم شبهوها بعشرين وأحد عشر حيث جعلوا ما يبين به العدد واحدا (١) ، لأنه اسم لعدد وليس بمستكره (٢) في كلامهم أن يكون اللفظ واحدا والمعنى جمع ، حتى قال بعضهم فيما لا يستعمل في الكلام وأنشدوا البيتين اللذين ذكرناهما.
ثم قال : إن (لدن) لها في (غدوة) حال ليست في غيرها تنصب بها كأنه ألحق التنوين في تسع مئة وكأنه أراد قد يخص الشيء في موضع لا يخص به في موضع آخر فقال : تقول العرب : من لدن غدوة ، وقال لدن غدوة ، كأنه أسكن الدال ثم فتحها كما قال : أضربن زيدا ، ففتح الباء لما جاءت النون الخفيفة ، والجر في غدوة هو الوجه والقياس ، وتكون النون من نفس الحرف بمنزلة (من) و (عن) وقد يشذ الشيء في كلامهم عن نظائره ويستخفون الشيء في موضع لا يستخفونه في غيره فمن ذلك قولهم : ما شعرت شعرة ، ويقولون : العمر والعمر ، ولا يقولون في اليمين كلهم إلا بالفتح ، أعني لعمرك ، وستجيء أشياء في هذا الكلام يعني التسع ومئة إضافتها إلى الواحد ليس بقياس وقد بيّنا ذلك ، ويحتمل أن تشبه الثلاث مئة إلى التسع مئة في بابها بالواحد والعشرين والتسعين فكما بيّنت (٣) العشرون بواحد بيّنت التسع مئة بواحد ، ووجه الشبه بينهما أن عشرة التسعين على غير لفظها كما أن عشرة المئة على غير لفظها فلما أشبهتها من هذا الوجه جعل المبين بواحد ، ثم ذكر بعض ما جاء في كلامهم خارجا عن القياس ، فمن ذلك (لدن) وهي ظرف بمنزلة (عند) والنون من نفس الكلمة فكان حقها أن تخفض ما بعدها إلا أن بعض العرب يحذف النون تخفيفا ثم يردها بعضهم فيقدر النون فيها أنها زائدة فلهذا جاز أن ينصب بها غدوة ، ويجوز أن يكون فعلوا ذلك لكثرة
__________________
(١) في الأصل : واحد.
(٢) في الأصل : يمستكن.
(٣) يعني التمييز بعدها.