استعمال (لدن) مع (غدوة) أو قدروا ما ذكرناه فنصبوا (غدوة) بذلك التقدير فيخف اللفظ عليهم. وخفته من وجهين : أحدهما : أن النصب أخف من الجر ، والثاني : أن الجار والمجرور / كالشيء الواحد والمنصوب كالفضلة ، وما هو فضلة أخف من اللازم فلهذا عدل ب (لدن) ما ذكرناه.
وبعض من رد النون تشبيها بالنون الخفيفة فتح ما قبلها وكان ذلك طلبا للتخفيف أي لتخفيف الكلمة لكثرتها في كلامهم والفتح أعم من الضم وذلك قولهم : ما أشعرت به بشعرة ، وكان القياس إثبات هاء التأنيث في قولهم : ليت شعري ، ولكنهم حذفوا الهاء لوجهين :
أحدهما : للتخفيف إذ كان هذا كثيرا في كلامهم.
والثاني : إثباتها يؤدي إلى لفظ مستقبح فلهذا حذفوا التاء ، وكذلك ألزموا أنفسهم فتح العين في قولهم لعمرك لكثرة القسم في كلامهم. قال ومما جاء في الشعر على لفظ الواحد والمراد به الجمع قال الشاعر (١) :
كلوا في بعض بطنكم تعبّوا |
|
فإن زمانكم زمن (٢) خبيص |
أراد : في بطونكم ، فاكتفى بالواحد عن الجمع لأن إضافة الجمع يدل على أن البطن بمنزلة البطون ، قال مثل هذا في الكلام قوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) [النساء : ٤ / ٤] ، وقررنا به عينا (٣) وإن شئت قلت
__________________
(١) البيت من الوافر ولا يعرف له قائل ، وهو في : الكتاب ١ / ٢١٠ ، وفي معاني القرآن ١ / ٣٠٧ ـ ٢ / ١٠٣ ، والرواية فيه : كلوا في نصف بطنكم تعيشوا ... ، وفي المقتضب ٢ / ١٧٢ ، وشرح أبيات سيبويه لابن السيرافي ١ / ٣٧٤ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ٤٨ ـ ٢١١ ـ ٢٣٧ ، وأسرار العربية ٢٢٣ ، وشرح المفصل ٦ / ٢١ ـ ٥ / ٨ ، وفي ارتشاف الضرب ١ / ٢٧٠ ، وفي الهمع ١ / ١٧٢ ، وفي الخزانة ٧ / ٥٥٩ ، وللبيت رواية : ... تعفّوا ...
(٢) في الأصل : زمان.
(٣) النص القرآني القريب لهذه الصيغة هو : الآية : (وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً)[مريم : ١٩ / ٢٥]. وأغلب الظن أنه هنا لا يريد نصا قرآنيا ـ وإن ورد في سياق يدل على ذلك ـ بل جاء بهذه الجملة مثالا كما عند سيبويه ، فهو هنا ـ