فإذا كان تركيب الحروف يخرجها عن حكم ما كانت عليه قبل التركيب لم يلزم الخليل في لا أن الذي ذكرناه ، إلا أن قول الخليل في الجملة ضعيف من وجه آخر وهو أن اللفظ متى جاءنا على صفة ما وأمكن استعمال معناه لم يجز أن يعدل عن ظاهره إلى غيره من غير ضرورة تدعو (١) إلى ذلك ، فلما وجدنا أن معناها مفهوم بنفس لفظها لم يجز أن ندعي أن أصلها شيء آخر من غير حجة قاطعة ولا ضرورة ، ويدل أيضا على ضعف قول الخليل أنه (٢) يجوز أن يليها الماضي و (أن) (٣) لا يليها إلا المستقبل ، فعلمنا أن حكم (أن) ساقط وأن (لن) حرف قائم بنفسه وضع للفعل المستقبل.
فإن قال قائل : من أين زعمتم أنّ (أن) تضمر بعد (حتى) واللام و (الفاء) و (الواو) ، ولم تجعلها مقدرة بعد (إذن) و (كي) و (إن)؟
فالجواب في ذلك أن (لن) و (إذن) و (كي) تلزم الأفعال وتحدث فيها معنى وإن كان بعض العوامل قد يوقع عمله بالتشبيه باللفظ دون المعنى فإذا كان كذلك وجب أن يكون حكم هذه الحروف في أنها عاملة فيما بعدها كحكم (أن) و (لن) لاشتراكهما في لزوم الفعل ، وأما (حتى) و (الفاء) و (الواو) فالدلالة قد دلت على أنّ (أن) مضمرة بعدها وذلك أنّ (حتى) قد ثبت حكمها أن تخفض الأسماء ولا يجوز لعامل الاسم أن يعمل في الفعل ، فلما وجدنا الفعل بعد (حتى) منصوبا وقد استقر لها الخفض وأمكن أن تجعل في هذا الموضع على بابها بأن تقدر بعدها (أن) لأنّ (أن) والفعل بمنزلة المصدر فتصير (حتى) في المعنى خافضة ل (أن) وما تعلق بها ، وجب أن تقدر (أن) بعدها لئلا يخرجها عن أصلها وعن أحكام العوامل.
__________________
(١) في الأصل : تدعوا.
(٢) في الأصل : أن.
(٣) مكررة في الأصل.