من الآخر كالمبتدأ والخبر والشرط والجزاء كقولك : زيد إذن يكرمك ، وإن تأتني إذن آتك وأكرمك ، وكذلك إن وقعت بين القسم والمقسم به كقولك : [والله](١) إذن لأقوم ، وإنما ألغيت في هذه المواضع لاحتياج ما قبلها إلى ما بعدها فجاز أن يطرح حكمها لاعتماد ما قبلها على ما بعدها.
وأما (كي) فللعرب فيها مذهبان :
أحدهما : أن يعملوها في الفعل كعمل (أن) لما ذكرناه من التشبيه.
والمذهب الثاني : أن يجروها مجرى لام الجر فيكون النصب بعدها بإضمار (أن) ، وذلك (٢) / أن بعض العرب يقولون : كيمه ، كما يقولون : لمه ، فلما أجريت مجرى لام الجر لم يجز أن تعمل في الفعل فوجب أن تضمر (أن) بعدها (٣).
واعلم أنه قد حكى الخليل (٤) رحمهالله أن أصل (لن) لا أن ولكنها حذفت فبقيت لن تخفيفا (٥) فردوا ذلك عليه بأن قالوا : إن ما بعد (لن) لا يعمل فيما قبلها ، ولو كانت (لن) على ما زعم الخليل لم يجز زيدا لن أضرب ، فتقدم ما بعد (لن) عليها وللخليل أن ينفصل من هذا بأن يقول : وجدت الحروف متى ركبت خرجت عما كانت عليه ، فمن ذلك (هل) أصلها الاستفهام ولا يجوز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها لو قلت : زيدا هل ضربت؟ لم يجز ، فإذا زيد على هل (لا) ودخلها معنى التحضيض جاز أن يتقدم ما بعدها عليها قولك : زيدا هلّا ضربت ،
__________________
(١) كتبت في الأصل على الهامش.
(٢) جاء في الإنصاف : " ذهب الكوفيون إلى أنّ (كي) لا تكون إلا حرف نصب ولا يجوز أن تكون حرف خفض وذهب البصريون إلى أنها يجوز أن تكون حرف جر ..." مسألة ٧٨ صفحة ٢٣٥ (ليدن).
(٣) قال سيبويه : (فمن قال كيمه فإنه يضمر أن بعدها ، وأمّا من أدخل عليها اللام ولم يكن من كلامه كيمه فإنها عنده بمنزلة أن ، وتدخل عليها اللام كما تدخل على أن. ومن قال كيمه جعلها بمنزلة اللام) الكتاب ٣ / ٦ (هارون).
(٤) هو أبو عبد الرحمن بن أحمد الفراهيدي ت ١٧٥ ، انظر : الطبقات ٤٣ ، الإنباه ١ / ٣٤١ ، والبغية ٢٤٣ ، وشذرات الذهب ١ / ٢٧٥.
(٥) وإلى ذلك ذهب الكسائي أيضا. انظر المغني : ٣١٤ وانظر الكتاب ٣ / ٥ (هارون).