ووجه آخر : وهو أن الفعل لما كان دالا على الزمان والمصدر علم في المعنى أنه اثنان فاستغني عن تثنيته.
واعلم أن الفعل لجماعة المؤنث تلحقه النون على وجهين كما لحقت الواو في المذكر على وجهين :
أحدهما : أن يكون اسما مضمرا يرجع إلى ما قبله كقولك : الهندات يضربن.
والثاني : أن يكون علامة الجمع فيكون على هذا الوجه حرفا كقولك : يضربن الهندات.
واعلم أن هذه النون إذا دخلت على الفعل أوجبت بناءه على السكون ، وإنما وجب ذلك لأنه اسم ، ومن شرط الأسماء المضمرات أن تبنى على حركة لأنها على حرف واحد ، وكرهوا أن يبنوها على السكون فيكون إجحافا بها فإذا أدخلناها على الفعل الماضي نحو قولك : الهندات ضربن ، وجب إسكان حرف من الفعل كراهية أن يجتمع في كلمة واحدة أربع متحركات متواليات لوازم ، لأن الفعل والفاعل كالشيء الواحد ، إذ كان لا يستغني أحدهما عن الآخر ، وليس في كلامهم نظير هذا ، وقد بيناه قبل هذا ، فلم يكن بد من إسقاط حرف من جملة هذه الكلمة ، وإنما كانت الباء بالسكون أولى من وجهين :
أحدهما : أن الأول لا يجوز إسكانه لأنه لا يبتدأ بساكن ، ولا يجوز إسكان الثاني لأنه به يعرف اختلاف الأبنية ، ولا يجوز إسكان النون لما ذكرناه من الإجحاف ، فلم يبق غير الباء فوجب إسكانها.
والوجه الثاني : أن أصل الفعل السكون ، فلما احتجنا إلى تسكين حرف كان ما أصله السكون أولى ؛ لأن ذلك ردّ إلى أصله ، فلهذا وجب إسكان الباء.
وأما تضربن فحمل على ضربن وإن لم تكن فيه علّة ضربن إلا من وجه النسبة