وأما إذا قلت : أحلف بالله لم يتوهم في ذلك إلا يمين واحدة (١) لأن من شأن الباء أن يلصق ما بعدها بحكم ما قبلها ولا يصح الابتداء بها.
فإن قيل : أيضا : فالواو لا يبتدأ بها؟
قيل له : لو كانت الواو غير مبدلة من الباء لصارت في القسم قائمة بنفسها لأنها ليست من الحروف التي تكون موصلة الأفعال إلى ما بعدها كحروف الجر ، فلهذا وجب أن يقع اللبس بالواو ولا يقع مثله في الباء ، وهذا الفصل الذي ذكرناه يجوز أن يجعل دلالة على أن الباء هي الأصل للواو.
فإن قال قائل : فلم لا يجوز أحلف والله ، وإذا ثبت أن الواو بدل من الباء ، وقد علم أنها إذا اتصلت بالفعل الذي قبلها أنها ليست بمبتدأة؟.
قيل إنما ذكرنا ذلك على الوجه الذي قدرناها فيه أنها أصل في نفسها ، فأما الذي منع من استعمالها مع الفعل على هذا الوجه أيضا فلأجل أنها فرع فكرهوا أن يستعملوها مع إظهار الفعل ، فيصير بمنزلة الأصل ولا يكون على إبدالها دليل فأسقطوها مع إظهار الفعل ليدلوا على أنها فرع.
فإن قيل : فلم صار إبدالها مع حذف الفعل أولى من إبدالها مع إظهاره؟.
قيل له : يجوز أن يكونوا خصوا البدل عند إضمار الفعل ، لأن حروف الجر لا يبدأ بها وقد تقع الواو في الابتداء في بعض المواضع كقولك : ضربت زيدا وأبوه قائم ، فهذه الواو تسمى واو الحال وما بعدها مبتدأ (٢) ، فلما كانت الواو تقع للمبتدأ حسن إبدالها عند حذف الفعل لما ذكرناه ، دلالة أخرى في أصل المسألة وهو مأخوذ من استقراء كلام العرب ، وهو أنّا وجدنا العرب تستعمل الاسم
__________________
(١) وهذا هو الجواب الثاني.
(٢) للتفصيل انظر المغني ١ / ٣٩٨.