لنفسه طريقا في البحر.
والسرب : النفق. والاتخاذ : الجعل. وقد انتصب (سَرَباً) على الحال من (سَبِيلَهُ) مرادا بالحال التشبيه ، كقول امرئ القيس :
إذا قامتا تضوّع المسك منهما |
|
نسيم الصبا جاءت بريّا القرنفل |
وقد مر تفسير كيف اتخذ البحر سربا في الحديث السابق عن أبيّ بن كعب.
وحذف مفعول (جاوَزا) للعلم ، أي جاوزا مجمع البحرين.
والغداء : طعام النهار مشتق من كلمة الغدوة لأنه يؤكل في وقت الغدوة ، وضده العشاء ، وهو طعام العشي. والنصب : التعب.
والصخرة : صخرة معهودة لهما ، إذ كانا قد أويا إليها في سيرهما فجلسا عليها ، وكانت في مجمع البحرين. قيل : إن موضعها دون نهر يقال له : نهر الزيت ، لكثرة ما عنده من شجر الزيتون.
وقوله : (نَسِيتُ الْحُوتَ) أي نسيت حفظه وافتقاده ، أي فانفلت في البحر.
وقوله : (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ). هذا نسيان آخر غير النسيان الأول ، فهذا نسيان ذكر الإخبار عنه.
وقرأ حفص عن عاصم (وَما أَنْسانِيهُ) ـ بضم هاء ـ الضمير على أصل الضمير وهي لغة. والكسر أشهر لأن حركة الكسرة بعد الياء أخف.
و (أَنْ أَذْكُرَهُ) بدل اشتمال من ضمير (أَنْسانِيهُ) لا من الحوت ، والمعنى : ما أنساني أن أذكره لك إلا الشيطان. فالذكر هنا ذكر اللسان.
ووجه حصره إسناد هذا الإنساء إلى الشيطان أن ما حصل له من نسيان أن يخبر موسى بتلك الحادثة نسيان ليس من شأنه أن يقع في زمن قريب مع شدة الاهتمام بالأمر المنسي وشدة عنايته بإخبار نبيئه به. ومع كون المنسي أعجوبة شأنها أن لا تنسى يتعين أن الشيطان ألهاه بأشياء عن أن يتذكر ذلك الحادث العجيب وعلم يوشع أن الشيطان يسوءه التقاء هذين العبدين الصالحين ، وما له من الأثر في بث العلوم الصالحة فهو يصرف عنها ولو بتأخير وقوعها طمعا في حدوث العوائق.
وجملة (وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ) عطف على جملة (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) وهي بقية