الرابع : أن سدا وردما عظيما لا يعرف له نظير في العالم هو موجود بين بلاد الصين وبلاد المغول ، وهو المشهور في كتب الجغرافيا والتاريخ بالسور الأعظم ، وسيرد وصفه.
الخامس : ما روت أم حبيبة عن زينب بنت جحش رضياللهعنهما ، أن النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم خرج ليلة فقال : «ويل للعرب من شرّ قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج وماجوج هكذا» ، وأشار بعقد تسعين (أعني بوضع طرف السبابة على طرف الإبهام). وقد كان زوال عظمة سلطان العرب على يد المغول في بغداد فتعين أن يأجوج وماجوج هم المغول وأن الردم المذكور في القرآن هو الردم الفاصل بين بلاد المغول وبلاد الصين وبانيه ملك من ملوكهم ، وأن وصفه في القرآن بذي القرنين توصيف لا تلقيب فهو مثل التعبير عن شاول ملك إسرائيل باسم طالوت. وهذا الملك هو الذي بنى السدّ الفاصل بين الصين ومنغوليا. واسم هذا الملك (تسينشي هوانفتي) أو (تسين شي هوانق تي). وكان موجودا في حدود سنة سبع وأربعين ومائتين قبل ميلاد المسيح فهو متأخر عن إسكندر المقدوني بنحو قرن. وبلاد الصين في ذلك العصر كانت متدينة بدين (كنفيشيوس) المشرع المصلح ، فلا جرم أن يكون أهل شريعته صالحين.
وهذا الملك يؤخذ من كتب التاريخ أنه ساءت حالته في آخر عمره وأفسد كثيرا وقتل علماء وأحرق كتبا ، والله أعلم بالحقيقة وبأسبابها.
ولما ظن كثير من الناس أن ذا القرنين المذكور في القرآن هو إسكندر بن فيليبوس نحلوه بناء السدّ. وزعموه من صنعه كما نحلوه لقب ذي القرنين. وكل ذلك بناء أوهام على أوهام ولا أساس لواحد منهما ولا علاقة لإسكندر المقدوني بقصة ذي القرنين المذكورة في هذه السورة.
والأمر في قوله (قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ) إذن من الله لرسوله بأن يعد بالجواب عن سؤالهم عملا بقوله : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) على أحد تأويلين في معناه.
والسين في قول (سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ) لتحقيق الوعد كما في قوله تعالى : (قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) في سورة يوسف [٩٨].
وجعل خبر ذي القرنين تلاوة وذكرا للإشارة إلى أن المهم من أخباره ما فيه تذكير وما يصلح لأن يكون تلاوة حسب شأن القرآن فإنّه يتلى لأجل الذكر ولا يساق مساق