تفريع الإنكار على صلة الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري ، لأن حسبانهم ذلك نشأ عن كون أعينهم في غطاء وكونهم لا يستطيعون سمعا ، أي حسبوا حسبانا باطلا فلم يغن عنهم ما حسبوه شيئا ، ولأجله كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا.
وتقدم حرف الاستفهام على فاء العطف لأن للاستفهام صدر الكلام وهو كثير في أمثاله. والخلاف شهير بين علماء العربية في أن الاستفهام مقدم من تأخير ، أو أن العطف إنما هو على ما بعد الاستفهام بعد حذف المستفهم عنه لدلالة المعطوف عليه. فيقدر هنا : أأمنوا عذابي فحسبوا أن يتخذوا إلخ ... وأول القولين أولى. وقد تقدمت نظائره منها قوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) في سورة البقرة [٧٥].
والاستفهام إنكاري ، والإنكار عليهم فيما يحسبونه يقتضي أن ما ظنوه باطل ، ونظيره قوله (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) [العنكبوت : ٢].
و (أَنْ يَتَّخِذُوا) سادّ مسدّ مفعولي (فَحَسِبَ) لأنه يشتمل على ما يدل على المفعولين فهو ينحل إلى مفعولين. والتقدير : أحسب الذين كفروا عبادي متخذين أولياء لهم من دوني.
والإنكار متسلط على معمول المفعول الثاني وهو (أَوْلِياءَ) المعمول ل (يَتَّخِذُوا) بقرينة ما دل عليه فعل (فَحَسِبَ) من أن هنالك محسوبا باطلا ، وهو كونهم أولياء باعتبار ما تقتضيه حقيقة الولاية من الحماية والنصر.
و (عِبادِي) صادق على الملائكة والجنّ والشياطين ومن عبدوهم من الأخيار مثل عيسى عليهالسلام ، ويصدق على الأصنام بطريق التغليب.
و (مِنْ دُونِي) متعلّق ب (أَوْلِياءَ) إما بجعل (دُونِي) اسما بمعنى حول ، أي من حول عذابي ، وتأويل (أَوْلِياءَ) بمعنى أنصارا ، أي حائلين دون عذابي ومانعيهم منه ، وإما بجعل (دُونِي) بمعنى غيري ، أي أحسبوا أنهم يستغنون بولايتهم.
وصيغ فعل الاتخاذ بصيغة المضارع للدلالة على تجدده منهم وأنهم غير مقلعين عنه.
وجعل في «الكشاف» فعل (يَتَّخِذُوا) للمستقبل ، أي أحسبوا أن يتخذوا عبادي أولياء يوم القيامة كما اتّخذوهم في الدنيا ، وهو المشار إليه بقوله (وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً). ونظّره بقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَ) نقول (لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ