كثيرا. وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) في سورة الإسراء [٨٥].
وقال الترمذي عن ابن عباس : قال حيي بن أخطب اليهودي : في كتابكم (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة : ٢٦٩] ثم تقرءون : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) ، فنزل قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي ...) الآية.
وكلمات الله : ما يدلّ على شيء من علمه مما يوحي إلى رسله أن يبلغوه ، فكل معلوم يمكن أن يخبر به. فإذا أخبر به صار كلمة ، ولذلك يطلق على المعلومات كلمات ، لأن الله أخبر بكثير منها ولو شاء لأخبر بغيره ، فإطلاق الكلمات عليها مجاز بعلاقة المآل. ونظيرها قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [لقمان : ٢٧]. وفي هذا دليل لإثبات الكلام النفسي ولإثبات التعلّق الصلوحي لصفة العلم. وقل من يتنبه لهذا التعلّق.
ولما كان شأن ما يخبر الله به على لسان أحد رسله أن يكتب حرصا على بقائه في الأمة ، شبهت معلومات الله المخبر بها والمطلق عليها كلمات بالمكتوبات ، ورمز إلى المشبه به بما هو من لوازمه وهو المداد الذي به الكتابة على طريقة المكنية ، وإثبات المداد تخييل كتخيّل الأظفار للمنية. فيكون ما هنا مثل قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) فإن ذكر الأقلام إنما يناسب المداد بمعنى الحبر.
ويجوز أن يكون هنا تشبيه كلمات الله بالسراج المضيء ، لأنه يهدي إلى المطلوب ، كما شبه نور الله وهديه بالمصباح في قوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) [النور : ٣٥] ويكون المداد تخييلا بالزيت الذي يمد به السراج.
والمداد يطلق على الحبر لأنه تمد به الدواة ، أي يمد به ما كان فيها من نوعه ، ويطلق المداد على الزيت الذي يمد به السراج وغلب إطلاقه على الحبر. وهو في هذه الآية يحتمل المعنيين فتتضمّن الآية مكنيتين على الاحتمالين.
واللام في قوله (لِكَلِماتِ) لام العلّة ، أي لأجل كلمات ربي. والكلام يؤذن بمضاف محذوف ، تقديره : لكتابة كلمات ربي ، إذ المداد يراد للكتابة وليس البحر مما يكتب به ولكن الكلام بني على المفروض بواسطة (لو).