أنزلت السورة لبيانها لم يكن هذا الانتقال اقتضابا بل هو كالانتقال من الديباجة والمقدمة إلى المقصود.
على أن مناسبة الانتقال إليه تتصل بقوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) [الكهف : ٦] ، إذ كان مما صرف المشركين عن الإيمان إحالتهم الإحياء بعد الموت ، فكان ذكر أهل الكهف وبعثهم بعد خمودهم سنين طويلة مثالا لإمكان البعث.
و (أَمْ) هذه هي (أم) المنقطعة بمعنى (بل) ، وهي ملازمة لتقدير الاستفهام معها ، يقدر بعدها حرف استفهام ، وقد يكون ظاهرا بعدها كقول أفنون التغلبي :
أنّى جزوا عامرا سوءا بضعته |
|
أم كيف يجزونني السّوأى عن الحسن |
والاستفهام المقدر بعد (أم) تعجيبي مثل الذي في البيت.
والتقدير هنا : أحسبت أن أصحاب الكهف كانوا عجبا من بين آياتنا ، أي أعجب من بقية آياتنا ، فإن إماتة الأحياء بعد حياتهم أعظم من عجب إنامة أهل الكهف. لأن في إنامتهم إبقاء للحياة في أجسامهم وليس في إماتة الأحياء إبقاء لشيء من الحياة فيهم على كثرتهم وانتشارهم. وهذا تعريض بغفلة الذين طلبوا من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بيان قصة أهل الكهف لاستعلام ما فيها من العجب ، بأنهم سألوا عن عجيب وكفروا بما هو أعجب ، وهو انقراض العالم ، فإنهم كانوا يعرضون عن ذكر فناء العالم ويقولون : (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) [الجاثية : ٢٤]. أي إن الحياة إلا حياتنا الدنيا لا حياة الآخرة وأن الدهر يهلكنا وهو باق.
وفيه لفت لعقول السائلين عن الاشتغال بعجائب القصص إلى أن الأولى لهم الاتعاظ بما فيها من العبر والأسباب وآثارها. ولذلك ابتدئ ذكر أحوالهم بقوله : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً) [الكهف : ١٠] فأعلم الناس بثبات إيمانهم بالله ورجائهم فيه ، وبقوله : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) [الكهف : ١٣]. الآيات الدالّ على أنهم أبطلوا الشرك وسفهوا أهله تعريضا بأن حق السامعين أن يقتدوا بهداهم.
والخطاب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. والمراد : قومه الذين سألوا عن القصة ، وأهل الكتاب الذين أغروهم بالسؤال عنها وتطلب بيانها. ويظهر أن الذين لقنوا قريشا السؤال عن أهل الكهف