أعاد نومتهم الخارقة للعادة فأبقاهم أحياء إلى أمد يعلمه الله أو أماتهم وحفظ أجسادهم من البلى كرامة لهم.
وقد عرف الناس خبرهم ولم يقفوا على أعيانهم ولا وقفوا على رقيمهم ، ولذلك اختلفوا في شأنهم ، فمنهم من يثبت وقوع قصتهم ومنهم من ينفيها.
ولما كانت معاني الآيات لا تتضح إلا بمعرفة ما أشارت إليه من قصة أهل الكهف تعين أن نذكر ما صح عند أعلام المؤرخين على ما فيه من اختلاف. وقد ذكر ابن عطية ملخصا في ذلك دون تعريج على ما هو من زيادات المبالغين والقصّاص.
والذي ذكره الأكثر أن في بلد يقال له (أبسس) ـ بفتح الهمزة وسكون الموحدة وضم السين بعدها سين أخرى مهملة ـ وكان بلدا من ثغور طرسوس بين حلب وبلاد أرمينية وأنطاكية.
وليست هي (أفسس) ـ بالفاء أخت القاف ـ المعروفة في بلاد اليونان بشهرة هيكل المشتري فيها فإنها من بلاد اليونان وإلى أهلها كتب بولس رسالته المشهورة. وقد اشتبه ذلك على بعض المؤرخين والمفسرين. وهي قريبة من (مرعش) من بلاد أرمينية ، وكانت الديانة النصرانية دخلت في تلك الجهات ، وكان الغالب عليها دين عبادة الأصنام على الطريقة الرومية الشرقية قبل تنصر قسطنطين ، فكان من أهل (أبسس) نفر من صالحي النصارى يقاومون عبادة الأصنام. وكانوا في زمن الإنبراطور (دوقيوس) ويقال (دقيانوس) الذي ملك في حدود سنة ٢٣٧. وكان ملكه سنة واحدة. وكان متعصبا للديانة الرومانية وشديد البغض للنصرانيّة ، فأظهروا كراهية الديانة الرومانية. وتوعدهم دوقيوس بالتعذيب ، فاتفقوا على أن يخرجوا من المدينة إلى جبل بينه وبين المدينة فرسخان يقال له (بنجلوس) فيه كهف أووا إليه وانفردوا فيه بعبادة الله. ولما بلغ خبر فرارهم مسامع الملك وأنهم أووا إلى الكهف أرسل وراءهم فألقى الله عليهم نومة فظنهم أتباع الملك أمواتا. وقد قيل : إنه أمر أن تسد فوهة كهفهم بحائط ، ولكن ذلك لم يتم فيما يظهر لأنه لو بني على فوهة كهفهم حائط لما أمكن خروج من انبعث منهم. ولعل الذي حال دون تنفيذ ما أمر به الملك أن مدته لم تطل في الملك إذ لم تزد مدته على عام واحد ، وقد بقوا في رقدتهم مدة طويلة قربها ابن العبري بمائتين وأربعين سنة ، وكان انبعاثهم في مدة ملك (ثاوذوسيوس) فيصر الصغير ، وذكر القرآن أنها ثلاثمائة سنة.
ثم إن الله جعلهم آية لأنفسهم وللناس فبعثهم من مرقدهم ولم يعلموا مدة مكثهم