وأرسلوا أحدهم إلى المدينة ، وهي (أبسس) ، بدراهم ليشتري لهم طعاما. فعجب الناس من هيئته ومن دراهمه وعجب هو مما رأى من تغيير الأحوال. وتسامع أهل المدينة بأمرهم ، فخرج قيصر الصغير مع أساقفة وقسيسين وبطارقة إلى الكهف فنظروا إليهم وكلموهم وآمنوا بآيتهم ، ولما انصرفوا عنهم ماتوا في مواضعهم ، وكانت آية تأيّد بها دين المسيح.
والذي في «كتاب الطبري» أن الذين ذهبوا إلى مشاهدة أصحاب الكهف هم رئيسا المدينة (أريوس) و (أطيوس) ومن معهما من أهل المدينة ، وقيل لما شاهدهم الناس كتب واليا المدينة إلى ملك الروم ، فحضر وشاهدهم وأمر بأن يبنى عليهم مسجد. ولم يذكروا هل نفّذ بناء المسجد أو لم ينفذ. ولم يذكر أنه وقع العثور على هذا الكهف بعد ذلك. ولعله قد انهدم بحادث زلزال أو نحوه كرامة من الله لأصحابه ، وإن كانت الأخبار الزائفة عن تعيينه في مواضع من بلدان المسلمين في أقطار الأرض كثيرة. وفي جنوب القطر التونسي موضع يدعى أنه الكهف. وفي مواضع أخرى من بادية القطر مشاهد يسمونها السبعة الرقود اعتقادا بأن أهل الكهف كانوا سبعة. وستعلم مثار هذه التوهمات.
وفي «تفسير الألوسي» عن ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : غزونا مع معاوية غزو المضيق نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف. فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم ، فقال ابن عباس : ليس ذلك لك ، قد منع الله ذلك من هو خير منك ، فقال : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً) [الكهف : ١٨] فقال معاوية : لا أنتهي حتى أعلم علمهم فبعث رجالا وقال : اذهبوا فادخلوا الكهف وانظروا ، فذهبوا فلما دخلوه بعث الله عليهم ريحا فأخرجتهم. وروى عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن عكرمة : أن ابن عباس غزا مع حبيب بن مسلمة فمروا بالكهف فإذا فيه عظام. فقال رجل : هذه عظام أهل الكهف. فقال ابن عباس : لقد ذهبت عظامهم منذ أكثر من ثلاثمائة سنة.
وفي «تفسير الفخر» عن القفال عن محمد بن موسى الخوارزمي المنجم : «أن الواثق أنفذه ليعرف حال أصحاب الكهف ، فسافر إلى الروم فوجه ملك الروم معه أقواما إلى الموضع الذي يقال إنهم فيه ، قال : وإن الرجل الموكل بذلك الموضع فزعني من الدخول عليهم ، قال : فدخلت ورأيت الشعور على صدورهم ، قال : وعرفت أنه تمويه واحتيال ، وأن الناس كانوا قد عالجوا تلك الجثث بالأدوية المجففة لأبدان الموتى لتصونها عن البلى مثل التلطيخ بالصبر وغيره» ا ه.