وقوله : (فسافر إلى الروم) مبني على اعتقادهم أن الكهف كان حول مدينة (أفسوس) ـ بالفاء أخت القاف ـ وهو وهم حصل من تشابه اسمي البلدين كما نبهنا عليه آنفا ، فإن بلد (أفسس) في زمن الواثق لا تزال في حكم قياصرة الروم بالقسطنطينية ، ولذلك قال بعض المؤرخين : إن قيصر الروم لما بلغته بعثة الجماعة الذين وجههم الخليفة الواثق ، أمر بأن يجعل دليل في رفقة البعثة ليسهل لهم ما يحتاجونه ، أما مدينة (أبسس) ـ بالباء الموحدة ـ فقد كانت حينئذ من جملة مملكة الإسلام.
قال ابن عطية : «وبالأندلس في جهة (أغرناطة) بقرب قرية تسمى (لوشة) كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة ، وأكثرهم قد انجرد لحمه وبعضهم متماسك ، وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم أثارة ، ويزعم الناس أنهم أصحاب الكهف ، دخلت إليهم ورأيتهم سنة أربع وخمسمائة ، وهم بهذه الحال وعليهم مسجد وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم كأنه قصر محلق (كذا بحاء مهملة لعله بمعنى مستدير كالحلقة) وقد بقي بعض جدرانه وهو في فلاة من الأرض حزنة ، وبأعلى حضرة (أغرناطة) مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة رومية يقال لها مدينة (دقيوس) وجدنا في آثارها غرائب في قبورها ونحوها» ا ه.
وقصة أهل الكهف لها اتصال بتاريخ طور كبير من أطوار ظهور الأديان الحق ، وبخاصة طور انتشار النصرانية في الأرض.
وللكهوف ذكر شائع في اللوذ إليها والدفن بها.
وقد كان المتنصرون يضطهدون في البلاد فكانوا يفرون من المدن والقرى إلى الكهوف يتخذونها مساكن فإذا مات أحدهم دفن هنالك ، وربما كانوا إذا قتلوهم وضعوهم في الكهوف التي كانوا يتعبدون فيها. ولذلك يوجد في رومية كهف عظيم من هذه الكهوف اتخذه النصارى لأنفسهم هنالك ، وكانوا كثيرا ما يستصحبون معهم كلبا ليدفع عنهم الوحوش من ذئاب ونحوها. وما الكهف الذي ذكره ابن عطية إلا واحد من هذه الكهوف.
غير أن ما ذكر في سبب نزول السورة من علم اليهود بأهل الكهف ، وجعلهم العلم بأمرهم أمارة على نبوءة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم يبعد أن يكون أهل الكهف هؤلاء من أهل الدين المسيحي فإن اليهود يتجافون عن كل خبر فيه ذكر للمسيحية ، فيحتمل أن بعض اليهود أووا إلى بعض الكهوف في الاضطهادات التي أصابت اليهود وكانوا يأوون إلى الكهوف. ويوجد مكان بأرض سكرة قرب المرسى من أحواز تونس فيه كهوف صناعية حقق لي بعض علماء الآثار من الرهبان النصارى بتونس أنها كانت مخابئ لليهود يختفون فيها من