وعرفوا الله بطريق الإضافة إلى ضميرهم : إما لأنهم عرفوا من قبل بأنهم عبدوا الله المنزه عن الجسم وخصائص المحدثات ، وإما لأن الله لم يكن معروفا باسم علم عند أولئك المشركين الذين يزعمون أن رب الأرباب هو (جوبيتر) الممثل في كوكب المشتري ، فلم يكن طريق لتعريفهم الإله الحق إلا طريق الإضافة. وقريب منه ما حكاه الله عن قول موسى لفرعون بقوله تعالى : (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) [الشعراء : ٢٣ ـ ٢٤].
هذا إن كان القول مسوقا إلى قومهم المشركين قصدوا به إعلان إيمانهم بين قومهم وإظهار عدم الاكتراث بتهديد الملك وقومه ، فيكون موقفهم هذا كموقف بني إسرائيل حين قالوا لفرعون (لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٥٠] ، أو قصدوا به موعظة قومهم بدون مواجهة خطابهم استنزالا لطائرهم على طريقة التعريض من باب (إيّاك أعني فاسمعي يا جارة) ، واستقصاء لتبليغ الحق إليهم. وهذا هو الأظهر لحمل القيام على حقيقته ، ولأن القول نسب إلى ضمير جمعهم دون بعضهم ، بخلاف الإسناد في قوله : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ) [الكهف : ١٩] تقتضي أن يكون المقول له ذلك فريقا آخر ، ولظهور قصد الاحتجاج من مقالهم ، ويكون قوله : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) خبر المبتدأ إعلاما لقومهم بهذه الحقيقة وتكون جملة (لَنْ نَدْعُوَا) استئنافا. وإن كان هذا القول قد جرى بينهم في خاصتهم تمهيدا لقوله : (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ) [الكهف : ١٦] إلخ. فالتعريف بالإضافة لأنها أخطر طريق بينهم ، ولأنها تتضمن تشريفا لأنفسهم ، ويكون قوله : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) صفة كاشفة ، وجملة (لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً) خبر المبتدأ.
وذكر الدعاء دون العبادة لأن الدعاء يشمل الأقوال كلها من إجراء وصف الإلهية على غير الله ومن نداء غير الله عند السؤال.
وجملة (لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) استئناف بياني لما أفاده توكيد النفي ب (لن). وإن وجود حرف الجواب في خلال الجملة ينادي على كونها متفرعة على التي قبلها. واللام للقسم.
والشطط : الإفراط في مخالفة الحق والصواب. وهو مشتق من الشط ، وهو البعد عن الموطن لما في البعد عنه من كراهية النفوس ، فاستعير للإفراط في شيء مكروه ، أي لقد قلنا قولا شططا ، وهو نسبة الإلهية إلى من دون الله.