وأسند الجواب إلى ضمير جماعتهم : إما لأنهم تواطئوا عليه ، وإما على إرادة التوزيع ، أي منهم من قال : لبثنا يوما ، ومنهم قال : لبثنا بعض يوم. وعلى هذا يجوز أن تكون (أو) للتقسيم في القول بدليل قوله بعد (قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) ، أي لما اختلفوا رجعوا فعدلوا عن القول بالظن إلى تفويض العلم إلى الله تعالى ، وذلك من كمال إيمانهم. فالقائلون (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) يجوز أن يكون جميعهم وهو الظاهر. ويجوز أن يكون قول بعضهم فأسند إليهم لأنهم رأوه صوابا.
وتفريع قولهم : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ) على قولهم : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) لأنه في معنى فدعوا الخوض في مدة اللبث فلا يعلمها إلا الله وخذوا في شيء آخر مما يهمكم ، وهو قريب من الأسلوب الحكيم. وهو تلقي السائل بغير ما يتطلب تنبيها على أن غيره أولى بحاله ، ولو لا قولهم : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) لكان قولهم : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ) عين الأسلوب الحكيم.
والورق ـ بفتح الواو وكسر الراء : الفضة. وكذلك قرأه الجمهور. ويقال ورق ـ بفتح الواو وسكون الراء ـ وبذلك قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم وروح عن يعقوب وخلف. والمراد بالورق هنا القطعة المسكوكة من الفضة ، وهي الدراهم قيل : كانت من دراهم (دقيوس) سلطان الروم.
والإشارة بهذه إلى دراهم معينة عندهم ، والمدينة هي (أبسس) ـ بالباء الموحدة ـ. وقد قدمنا ذكرها في صدر القصة.
و (أَيُّها) ما صدقه أي مكان من المدينة ، لأن المدينة كل له أجزاء كثيرة منها دكاكين الباعة ، أي فلينظر أي مكان منها هو أزكى طعاما ، أي أزكى طعامه من طعام غيره.
وانتصب (طَعاماً) على التمييز لنسبة (أزكى) إلى (أي).
والأزكى : الأطيب والأحسن ، لأن الزّكو الزيادة في الخير والنفع.
والرزق : القوت. وقد تقدم عند قوله تعالى : (قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ) في سورة يوسف [٣٧] ، والفاء لتفريع أمرهم من يبعثونه بأن يأتي بطعام زكي وبأن يتلطف.
وصيغة الأمر في قوله : (فَلْيَأْتِكُمْ) و (لْيَتَلَطَّفْ) أمر لأحد غير معين سيوكلونه ، أي أن تبعثوه يأتكم برزق ، ويجوز أن يكون المأمور معينا بينهم وإنما الإجمال في حكاية