الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١))
تتنزل هذه الجملة منزلة التعليل للجملتين اللتين قبلها وهما (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ) إلى قوله : (بَدَلاً) [الكهف : ٥٠] ، فإنهم لما لم يشهدوا خلق السماوات والأرض لم يكونوا شركاء لله في الخلق بطريق الأولى فلم يكونوا أحقاء بأن يعبدوا. وهذا احتجاج على المشركين بما يعترفون به فإنهم يعترفون بأن الله هو المتفرد بخلق السماوات والأرض وخلق الموجودات.
والإشهاد : جعل الغير شاهدا ، أي حاضرا ، وهو هنا كناية عن إحضار خاص ، وهو إحضار المشاركة في العمل أو الإعانة عليه. ونفي هذا الشهود يستلزم نفي المشاركة في الخلق والإلهية بالفحوى أي ، بالأولى ، فإن خلق السماوات كان قبل وجود إبليس وذريته ، فهو استدلال على انتفاء إلهيتهم بسبق العدم على وجودهم. وكل ما جاز عليه العدم استحال عليه القدم ، والقدم من لوازم الإلهية. وضمائر الغيبة في قوله : (أَشْهَدْتُهُمْ) وقوله : (أَنْفُسِهِمْ) عائدة إلى المتحدث عنه ، أي إبليس وذريته كما عاد إليهم الضمير في قوله : (وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ).
ومعنى (أَنْفُسِهِمْ) ، أنفس بعضهم بقرينة استحالة مشاهدة المخلوق خلق نفسه ، فإطلاق الأنفس هنا نظير إطلاقه في قوله تعالى : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) [النور : ٦١] وفي قوله : (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) [البقرة : ٨٤] ، أي أنفس بعضكم. فعلى هذا الوجه تتناسق الضمائر ويتقوم المعنى المقصود.
واعلم أن الله تعالى خلق السماوات والأرض قبل أن يخلق لهما سكانهما كما دل عليه قوله : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ* ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ* فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها)[فصّلت : ٩ ـ ١٢]. وكان أهل الجاهلية يعتقدون في الأرض جنّا متصرفين فكانوا إذا نزلوا واديا مخوفا قالوا : أعوذ بعزيز هذا الوادي ، ليكونوا في أمن من ضره.
وقرأ أبو جعفر ما أشهدناهم بنون العظمة ، وقرأ (وَما كُنْتُ) بفتح التاء على الخطاب ، والخطاب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو خبر مستعمل في النهي.