ف (من) استفهام مستعمل في الإنكار ، أي لا أحد أظلم من هؤلاء المتحدث عنهم.
والنسيان : مستعمل في التغاضي عن العمل. وحقيقة النسيان تقدم عند قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) في سورة البقرة [١٠٦].
ومعنى (ما قَدَّمَتْ يَداهُ) ما أسلفه من الأعمال. وأكثر ما يستعمل مثل هذا التركيب في القرآن في العمل السيئ ، فصار جاريا مجرى المثل ، قال تعالى : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، وقال : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ).
والآية مصوغة بصيغة العموم ، والمقصود الأول : منها مشركو أهل مكة.
وجملة (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) مستأنفة بيانية نشأت على جملة (وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) ، أي إن لم تعلم سبب نسيانه ما قدمت يداه فأعلم أنا جعلنا على قلوبهم أكنة. وهو يفيد معنى التعليل بالمآل ، وليس موقع الجملة موقع الجملة التعليلية.
والقلوب مراد بها : مدارك العلم.
والأكنة : جمع كنان ، وهو الغطاء ، لأنه يكن الشيء ، أي يحجبه.
و (أَنْ يَفْقَهُوهُ) مجرور بحرف محذوف ، أي من أن يفقهوه ، لتضمين (أَكِنَّةً) معنى الحائل أو المانع.
والوقر : ثقل السمع المانع من وصول الصوت إلى الصماخ.
والضمير المفرد في (يَفْقَهُوهُ) عائد إلى القرآن المفهوم من المقام والمعبر عنه بالآيات.
وجملة (وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى) عطف على جملة (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) ، وهي متفرعة عليها ، ولكنها لم تعطف بالفاء لأن المقصود جعل ذلك في الإخبار المستقل.
وأكد نفي اهتدائهم بحرف توكيد النفي وهو (لن) ، وبلفظ (أبدا) المؤكد لمعنى (لن) ، وبحرف الجزاء المفيد تسبب الجواب على الشرط.
وإنما حصل معنى الجزاء باعتبار تفرع جملة الشرط على جملة الاستئناف البياني ، أي ذلك مسبب على فطر قلوبهم على عدم قبول الحق.
(وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ