فخرجت إليه بنته ، فالتزمها ، وخرج أهله يبكون ، فوصّاهم وقال : لا تبكوا ، أرأيتم إن لم أترككم ، كم عسيت أن أعيش معكم ، وإن أمت فإنّ الّذي يرزقكم حيّ لا يموت ، وودّعهم وذهب (١).
وقال الحجّاج : اتركوهم فليتبدّدوا ، ولا تتبعوهم ، ونادى مناديه : من رجع فهو آمن ، ثمّ جاء إلى الكوفة فدخلها ، وجعل لا يبايع أحدا منها إلّا قال له : اشهد على نفسك أنّك كفرت ، فإذا قال نعم بايعه ، وإلا قتله ، فقتل غير واحد ممّن تحرّج أن يشهد على نفسه بالكفر. وجيء برجل فقال الحجّاج : ما أظنّ هذا يشهد على نفسه بالكفر ، فقال الرجل : أخادعي عن نفسي ، أنا أكفر أهل الأرض ، وأكفر من فرعون ذي الأوتاد ، فضحك وخلّاه (٢).
وأمّا محمد بن سعد بن أبي وقّاص فنزل بعد الواقعة بالمدائن ، فتجمّع إليه ناس كثير ، وخرج عبيد الله بن عبد الرحمن بن سمرة العبشميّ فأتى البصرة وبها ابن عمّ الحجّاج أيّوب بن الحكم ، فأخذ البصرة ، وقدم عليه عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ، وجاء إليه الخلق ، وقال ابن سمرة له : إنّما أخذت البصرة لك ، ولحق محمد بن سعد بهم ، فسار الحجّاج لحربهم ، وخرج الناس معه إلى مسكن على دجيل (٣).
وتلاوم أصحاب ابن الأشعث على الفرار ، وتبايعوا على الموت ، فخندق ابن الأشعث على أصحابه ، وسلّط الماء في الخندق ، وأتته النجدة من خراسان ، فاقتتلوا خمس عشرد ليلة أشدّ القتال ، وقتل من أمراء الحجّاج زياد بن غنيم القينيّ (٤).
ثم عبّأ الحجّاج جيشه وصرخ فيهم وحمل بهم ، فهزم أصحاب ابن الأشعث ، وقتل أبو البختريّ ، وابن أبي ليلى ، وكسر بسطام بن مصقلة في أربعة آلاف جفون سيوفهم وثبتوا ، وقاتلوا قتالا شديدا ، كشفوا فيه عسكر
__________________
(١) تاريخ الطبري ٦ / ٣٦٤.
(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٣٦٥ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٤٨٢.
(٣) في طبعة القدسي ٣ / ٢٣٠ «على دخل» ، والتصحيح من تاريخ الطبري ٦ / ٣٦٦.
(٤) تاريخ الطبري ٦ / ٣٦٦ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٤٨٢.