وقال ابن جرير الطّبريّ (١) : سار قتيبة بن مسلم إلى سمرقند بغتة في جيش عظيم ، فنازلها ، فاستنجد أهلها بملك الشاش وفرغانة ، فأنجدوهم ، فنهضوا ليبيّتوا المسلمين ، فعلم قتيبة ، فانتخب فرسانا مع صالح بن مسلم وأكمنهم على جنبتي طريق التّرك ، فأتوا نصف الليل ، فخرج الكمين عليهم ، فاقتتلوا قتالا لم ير الناس مثله ، ولم يفلت من التّرك إلّا اليسير.
قال بعضهم : أسرنا طائفة فسألناهم ، فقالوا : ما قتلتم منّا إلّا ابن ملك ، أو بطلا ، أو عظيما ، فاحتززنا الرءوس ، وحوينا السّلب ، والأمتعة العظيمة ، وأصبحنا إلى قتيبة ، فنفّلنا ذلك كلّه ، ثم نصبنا المجانيق على أهل السّغد ، وجدّ في قتالهم حتّى قارب الفتح ، ثم صالحهم ، وبنى بها الجامع والمنبر (٢).
قال : وأمّا الباهليّون فيقولون : صالحهم على مائة ألف رأس ، وبيوت النّيران ، وحلية الأصنام ، فسلبت ثم أحضرت إلى بين يديه ، فكانت كالقصر العظيم ـ يعني الأصنام ـ فأمر بتحريقها ، فقالوا : من حرّقها هلك. قال قتيبة : أنا أحرّقها بيدي ، فجاء الملك غوزك فقال : إنّ شكرك عليّ واجب ، لا تعرضنّ لهذه الأصنام ، فدعا قتيبة بالنّار وكبّر ، وأشعل فيها بيده ، ثم أضرمت ، فوجدوا بعد الحريق من بقايا ما كان فيها من مسامير الذّهب والفضّة خمسين ألف مثقال (٣).
ثم استعمل عليها عبد الله أخاه ، وخلّف عنده جيشا كثيفا ، وقال : لا تدعنّ مشركا يدخل من باب المدينة إلّا ويده مختومة ، ومن وجدت معه حديدة أو سكّينا فأقتله ، ولا تدعنّ أحدا منهم يبيت فيها ، وانصرف قتيبة إلى مرو.
__________________
(١) في تاريخه ٦ / ٤٦٩ ـ ٤٧٣.
(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٤٧٤ ، ٤٧٥.
(٣) تاريخ الطبري ٦ / ٤٧٥ ، ٤٧٦ ، الكامل في التاريخ ٤ / ٥٧٣.