نصير فقال : أشيروا عليّ. فقال موسى : يا أمير المؤمنين ، إن أردت ذلك فسر سيرة المسلمين فيما فتحوه من الشام ومصر إلى إفريقية ، ومن العراق إلى خراسان ، كلّما فتحوا مدينة اتّخذوها دارا وحازوها للإسلام ، فابدأ بالدّروب فافتح ما فيها من الحصون والمطامير والمسالح ، حتّى تبلغ القسطنطينية وقد هدّمت حصونها وأوهيت قوّتها ، فإنّهم سيعطون بأيديهم. فالتفت إلى مسلمة فقال : ما تقول؟ قال : هذا الرأي إن طال عمر إليه ، أو كان الّذي يبني (١) على رأيك ، ولا تنقضه ، رأيت أن تعمل منه ما عملت ولا يأتي على ما قال خمس عشرة سنة (٢) ، ولكنّي أرى أن تغزي جماعة من المسلمين في البرّ والبحر القسطنطينية فيحاصرونها ، فإنّهم ما دام عليهم البلاء أعطوا الجزية أو فتحوها عنوة ، ومتى ما يكون ذلك ، فإنّ ما دونها من الحصون بيدك. فقال سليمان : هذا الرأي. فأغزى جماعة أهل الشام والجزيرة في البرّ في نحو عشرين ومائة ألف ، وأغزى أهل مصر وإفريقية في البحر في ألف مركب ، عليهم عمر بن هبيرة الفزاريّ ، وعلى الكلّ مسلمة بن عبد الملك.
قال الوليد بن مسلم : فأخبرني غير واحد أنّ سليمان أخرج لهم الأعطية ، وأعلمهم أنّه عزم على غزو القسطنطينية والإقامة عليها ، فاقدروا لذلك قدره ، ثم قدم دمشق فصلّى بنا الجمعة ، ثم عاد إلى المنبر فكلّم الناس ، وأخبرهم بيمينه التي حلف عليها من حصار القسطنطينية ، فانفروا على بركة الله تعالى ، وعليكم بتقوى الله ثم الصبر ، وسار حتى نزل دابقا ، فاجتمع إليه الناس ، ورحل مسلمة (٣).
* * *
وفيها ثار حبيب بن أبي عبيدة الفهريّ ، وزياد بن النابغة التميميّ
__________________
(١) في سير أعلام النبلاء «يأتي».
(٢) العبارة في السير : «أو كان الّذي يأتي على رأيك ، وبريد ذلك ، خمس عشرة سنة ، ولكني أرى ..».
(٣) الخبر في سير أعلام النبلاء ٤ / ٥٠١ ، ٥٠٢.