ذات البين ، وخرج بهم إلى الصحراء ومعه سائر الحيوانات ، وفرّق بينها وبين أولادها ، فوقع البكاء والضّجيج ، وأقام على ذلك إلى نصف النّهار ، ثم صلّى وخطب ، ولم يذكر الوليد ، فقيل له : ألا تدعو لأمير المؤمنين؟ فقال : هذا مقام لا يذكر فيه إلّا الله ، فسقوا حتى رووا وأغيثوا (١).
قال أبو شبيب الصّدفيّ : لم نسمع في الإسلام بمثل سبايا موسى بن نصير (٢).
وقيل : إنّ موسى تمادى في سيره بأرض الأندلس مجاهدا حتى انتهى إلى أرض تميد بأهلها ، فقال له جنده : إلى أين تريد أن تذهب بنا ، حسبنا ما بأيدينا! فرجع وقال : لو أطعتموني لوصلت إلى (٣) القسطنطينيّة.
ولما افتتح موسى أكثر الأندلس رجع إلى إفريقية وله نيّف وستّون سنة ، وهو راكب على بغل اسمه «كوكب» وهو يجرّ الدّنيا بين يديه جرّا ، أمر بالعجل تجرّ أوقار الذّهب والجواهر والتّيجان والثياب الفاخرة ومائدة سليمان ، ثم استخلف ولده بإفريقية ، وأخذ معه مائة من رؤساء البربر ، ومائة وعشرين من الملوك وأولادهم ، وقدم مصر في أبّهة عظيمة ، ففرّق الأموال ، ووصل الأشراف والعلماء ، ثم سار يطلب فلسطين ، فتلقّاه روح بن زنباع ، فوصله بمبلغ كبير ، وترك عنده بعض أهله وخدمه ، فأتاه كتاب الوليد بأنّه مريض ، ويأمره بشدّة السّير ليدركه ، وكتب إليه سليمان بن عبد الملك يبطّئه في سيره فإنّ الوليد في آخر نفس ، فجدّ في السّير ، فآلى سليمان إن ظفر به ليصلبنّه ، وأراد سليمان أن يبطّئ ليسلّم ما جاء به موسى ، فقدم قبل موت الوليد بأيام ، فأتاه بالدّرّ والجوهر والنفائس وملاح الوصائف والتّيجان والمائدة ، فقبض ذلك كلّه ، وأمر بباقي الذهب والتقادم فوضع ببيت المال ، وقوّمت المائدة بمائة ألف
__________________
(١) وفيات الأعيان ٥ / ٣١٩ ـ ٣٢٠.
(٢) وفيات الأعيان ٥ / ٣١٩.
(٣) «إلى» ساقطة من الأصل.