دينار ، ولم يحصل لموسى رضا الوليد ، واستخلف سليمان فأحضره وعنّفه وأمر به فوقف في يوم شديد الحرّ ـ وكان سمينا بدينا ـ فوقف حتى سقط مغشيّا عليه (١) وعمر بن عبد العزيز واقف يتألّم له ، فقال سليمان : يا أبا حفص ما أظنّ إلّا أنّني خرجت من يميني ، ثم قال : من يضمّه؟ فقال يزيد بن المهلّب : أنا أضمّه. قال : فضمّه إليك ولا تضيّق عليه ، فأقام عنده أياما ، وتوسّط بينه وبين سليمان وافتدي منه بألف ألف دينار ، ويقال : إنّ يزيد قال له : كم تعدّ من مواليك وأهل بيتك؟ قال : كثير. قال يزيد : يكونون ألفا؟ قال : وألف ألف ، وقال يزيد : وأنت على هذا وتلقي بيدك إلى التّهلكة ، أفلا أقمت في قرار عزّك وسلطانك وبعثت بالتّقادم ، فإن أعطيت الرّضا ، وإلا فأنت على عزّك! قال : لو أردت ذلك لصار ، ولكنّي آثرت الله ولم أر الخروج ، قال يزيد : كلّنا ذلك الرجل ، أراد بذلك قدومه هو على الحجّاج.
وقال سليمان يوما لموسى : ما كنت تفزع إليه (٢) عند حربك؟ قال : الدّعاء والصبر ، قال : فأيّ الخيل رأيتها أصبر؟ قال : الشّقر ، قال : فأيّ الأمم أشدّ قتالا؟ قال : هم أكثر من أن أصف ، قال : فأخبرني عن الروم ، قال : أسد في حصونهم ، عقبان على خيولهم ، نساء في مراكبهم ، إن رأوا فرصة افترصوها ، وإن رأوا غلبة فأوعال تذهب في الجبال ، لا يرون الهزيمة عارا ، قال : فأخبرني عن البربر ، قال : هم أشبه العجم بالعرب لقاء ونجدة وصبرا وفروسيّة وشجاعة ، غير أنّهم أغدر النّاس ، ولا وفاء لهم ولا عهد ، قال : فأخبرني عن أهل الأندلس ، قال : ملوك مترفون وفرسان لا يجبنون ، قال : فأخبرني عن الفرنج ، قال : هناك العدد والجلد والشدّة والبأس والنّجدة ، قال : فكيف كانت الحرب بينك وبينهم؟ قال : أمّا هذا فو الله ما هزمت لي راية قطّ ، ولا بدّد جمعي ، ولا نكب المسلمون معي منذ اقتحمت الأربعين إلى أن
__________________
(١) وفيات الأعيان ٥ / ٣٢٩.
(٢) في الأصل «إليك».