صغار في جنب عفوك ، فاغفرها لي يا كريم (١).
قالوا : توفّي عبد الملك في شوّال سنة ستّ وثمانين ، وخلافته المجمع عليها من وسط سنة ثلاث وسبعين.
وقيل : إنّه لما احتضر دخل عليه الوليد ابنه ، فتمثّل :
كم عائد رجلا وليس يعوده |
|
إلّا ليعلم هل تراه يموت |
وتمثّل أيضا :
ومستخبر عنّا يريد بنا الرّدى |
|
ومستخبرات والعيون سواجم |
فجلس الوليد يبكي ، فقال : ما هذا ، تحنّ حنين الأمة! إذا متّ فشمّر وائتزر والبس جلد النّمر ، وضع سيفك على عاتقك ، فمن أبدى ذات نفسه فاضرب عنقه ، ومن سكت مات بدائه.
وقال عليّ بن محمد المدائنيّ : لما أيقن عبد الملك بالموت دعا مولاه أبا علاقة فقال : والله لوددت أنّي كنت منذ ولدت إلى يومي هذا حمّالا. ولم يكن له من البنات إلّا واحدة ، وهي فاطمة ، وكان قد أعطاها قرطي مارية ، والدّرّة اليتيمة ، وقال : اللهمّ إنّي لم أخلّف شيئا أهمّ منها إليّ فاحفظها ، فتزوّجها عمر بن عبد العزيز ، وأوصى بنيه بتقوى الله ، ونهاهم عن الفرقة والاختلاف ، وقال : انظروا مسلمة واصدروا عن رأيه ـ يعني أخاهم ـ فإنّه مجنّكم الّذي به تجتنّون ونابكم الّذي عنه تفترّون ، وكونوا بني أمّ بررة ، وكونوا في الحرب أحرارا ، وللمعروف منارا ، فإنّ الحرب لم تدن منيّة قبل وقتها ، وإنّ المعروف يبقى أجره وذكره ، واحلولوا في مرارة ، ولينوا في شدّة ، وكونوا كما قال ابن عبد الأعلى الشيبانيّ :
إنّ القداح (٢) إذا اجتمعن فرامها |
|
بالكسر ذو حنق وبطش أيّد(٣) |
عزّت فلم تكسر ، وإن هي بدّدت |
|
فالكسر والتّوهين للمتبدّد |
__________________
(١) تاريخ دمشق ١٠ / ٢٦٣ أ ، والبداية والنهاية ٩ / ٦٧.
(٢) في البداية والنهاية «الأمور».
(٣) في البداية والنهاية «مفند».