فبلغ شعره عبد الملك ، فأدركته الحميّة ، فنذر دمه ، ووضع عليه العيون ، فلم تحمله أرض حتّى أتى روح بن زنباع ، فأقام في ضيافته ، فقال : ممّن أنت؟ قال : من الأزد ، فبقي عنده سنة ، فأعجبه إعجابا شديدا ، فسمر روح ليلة عند عبد الملك ، فتذاكرا شعر عمران بن حطّان هذا ، فلما انصرف روح تحدّث مع عمران ، وأخبره بالشعر الّذي ذكره عبد الملك ، فأنشده عمران بقيّته ، فلمّا أتى عبد الملك قال : إنّ في ضيافتي رجلا ما سمعت منك حديثا قطّ إلّا حدّثني به وبأحسن منه ، ولقد أنشدته البارحة البيتين اللّذين قالهما عمران في ابن ملجم ، فأنشدني القصيدة كلّها ، فقال : صفه لي ، فوصفه له ، فقال : إنّك لتصف صفة عمران بن حطّان ، اعرض عليه أن يلقاني ، قال : نعم. فانصرف روح إلى منزله وقصّ على عمران الأمر ، فهرب وأتى الجزيرة ، ثمّ لحق بعمان ، فأكرموه ، فأقام بها حياته (١).
وورد أنّ سفيان الثّوريّ كان يتمثّل بأبيات عمران بن حطّان هذه :
أرى أشقياء الناس لا يسأمونها |
|
على أنّهم فيها عراة وجوّع |
أراها وإن كانت تحبّ فإنّها |
|
سحابة صيف عن قليل تقشّع |
كركب قضوا حاجاتهم وترحّلوا |
|
طريقهم بادي العلامة مهيع(٢) |
توفّي سنة أربع وثمانين. قاله ابن قانع.
__________________
= إنّي لأذكره يوما فألعنه |
|
إيها وألعن عمران بن حطّانا |
وقال (محمد بن أحمد الطبيب) يردّ على عمران بن حطّان أيضا :
يا ضربة من غدور صار ضاربها |
|
أشقى البريّة عند الله إنسانا |
إذا تفكّرت فيه ظلت ألعنه |
|
وألعن الكلب عمران بن حطّانا |
(الكامل في الأدب ٢ / ١٢٦). وانظر كتاب الأذكياء ٢١٠.
(١) الأغاني ١٨ / ١١١ ، ١١٢ وانظر الكامل للمبرّد ٢ / ١٢٦ ، ١٢٧.
(٢) الأبيات في : مجموعة المعاني ٤ ، وكنايات الجرجاني ١٠١ ، وديوان شعر الخوارج ١٧٢ ، والشريشي ٢ / ٣١٨ ، والتذكرة الحمدونية ١ / ١٦٣ ، وسير أعلام النبلاء ٤ / ٢١٦ ، والبداية والنهاية ٩ / ٥٣ ، وخزانة الأدب ، بتحقيق عبد السلام هارون ٢ / ٤٤٠ وفيه (بادي الغيابة مهيع).