ودفعه إلى رجاء ، وقال : اخرج إلى الناس فليبايعوا على ما فيه مختوما ، فخرج ، فقال : إنّ أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب ، قالوا : ومن فيه؟ قال : هو مختوم لا تخبرون بمن فيه حتى يموت. قالوا : لا نبايع. فرجع إليه فأخبره ، فقال : انطلق إلى صاحب الشرطة والحرس ، فاجمع الناس ومرهم بالبيعة ، فمن أبى فاضرب عنقه ، قال : فبايعوه على ما فيه. قال رجاء بن حيوة : فبينا أنا راجع إذ سمعت جلبة موكب ، فإذا هشام ، فقال لي : يا رجاء قد علمت موقعك منّا ، وإنّ أمير المؤمنين صنع شيئا ما أدري ما هو ، وأنا أتخوّف أن يكون قد أزالها عنّي ، فإن يكن قد عدلها عنّي فأعلمني ما دام في الأمر نفس حتى ينظر ، فقلت : سبحان الله ، يستكتمني أمير المؤمنين أمرا أطلعك عليه ، لا يكون ذا أبدا ، قال : فأدارني ولاحاني ، فأبيت عليه ، فانصرف ، فبينا أنا أسير إذ سمعت جلبة خلفي ، فإذا عمر بن عبد العزيز وقال لي : يا رجاء إنه قد وقع في نفسي أمر كبير من هذا الرجل ، أتخوّف أن يكون قد جعلها إليّ ولست أقوم بهذا الشأن ، فأعلمني ما دام في الأمر نفس لعلّي أتخلّص منه ما دام حيّا ، قلت : سبحان الله يستكتمني أمير المؤمنين أمرا أطلعك عليه ، قال : وثقل سليمان ، فلما مات أجلسته مجلسه وأسندته وهيّأته وخرجت إلى الناس ، فقالوا : كيف أصبح أمير المؤمنين؟ قلت : أصبح ساكنا ، وقد أحبّ أن تسلّموا عليه وتبايعوا بين يديه على ما في الكتاب ، فدخلوا وأنا قائم عنده ، فلما دنوا قلت : إنه يأمركم بالوقوف ، ثم أخذت الكتاب من عنده وتقدّمت إليهم وقلت : إنّ أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا على ما في هذا الكتاب ، فبايعوا وبسطوا أيديهم. فلما بايعتهم وفرغت قلت : آجركم الله في أمير المؤمنين ، قالوا : فمن؟ ففتحت الكتاب فإذا فيه العهد لعمر بن عبد العزيز ، فتغيّرت وجوه بني عبد الملك ، فلما سمعوا : «وبعده يزيد بن عبد الملك» كأنّهم تراجعوا فقالوا : أين عمر ، فطلبوه فإذا هو في المسجد ، فأتوه فسلّموا عليه بالخلافة ، فعقر به فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه ، فدنوا به إلى المنبر وأصعدوه ، فجلس طويلا لا يتكلّم ، فقال رجاء : ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعونه ، فنهض القوم إليه فبايعوه رجل رجل ومد يده إليهم ،