الثاني : أن البديهة حاكمة بوجوب العمل (١) بأوامر الشرع ونواهيه ، ومن علم العلوم الثلاثة الاول : فهو ممن يفهم الاوامر والنواهي ، فالحكم عليه بوجوب التقليد المنهي عنه ، بمجرد جهله بمسائل الاصول ، مما لا دليل عليه ، بل لا عذر له في التقليد ، وليس مثله مع التقليد إلا مثل شخص حكمه ملك على ناحية ، وعهد إليه : أنه متى أخبره ثقة بأن الملك أمرك بكذا ، أو نهاك عن كذا ، فعليك بالطاعة والعمل بالامر والنهي ، وبين له المخلص عند تعارض الأخبار ، فهو يترك العمل بما سمع من الاوامر والنواهي من الثقاة ، معللا بجهله بمسائل الاصول أو المنطق ، فإن استحقاقه للذم حينئذ مما لا ريب فيه.
قلت : اعلم أولا : أن مباحث علم الاصول قسمان :
الاول : ما يتعلق بتحقيق معاني الالفاظ ، مثل : أن الحقيقة الشرعية ثابتة أو لا؟ وأن الامر للوجوب؟ والمرة؟ والفور؟ أو لا؟ وكذا النهي؟ وأن المفرد المعرف باللام ، والجمع المنكر ، للعموم؟ أو لا؟ والمخصص المتعقب للجمل المتعاطفة ـ كالاستثناء ، والشرط ، ونحوهما ـ يرجع إلى الجملة الاخيرة فقط؟ أو إلى الجميع؟ إلى غير ذلك من المسائل المودعة في مواضعها.
والثاني : ما ليس كذلك ، مثل : أن الامر بالشيء هل يقتضي وجوب مقدمته؟ وتحريم ضده الخاص؟ أو لا؟ وهل يجوز تعلق الامر والنهي بشيء واحد؟ أو لا؟ وهل يجوز التكليف بالشيء مع علم الآمر بانتفاء شرطه؟ أو لا؟ وهل العام المخصص حجة في الباقي؟ أو لا؟ وهل العمل بالعام مشروط باستقصاء البحث عن المخصص؟ أو لا؟ وهل المفهومات حجة؟ أو لا؟ وخبر الواحد هل هو حجة؟ أو لا؟ إلى غير ذلك من المسائل.
إذا عرفت هذا ، فنقول : ما كان من القسم الاول ، فهو لم يكن في عصر الائمة عليهمالسلام وما شابهه محتاجا إليه ، لان معاني الالفاظ وحقائقها كانت
__________________
١ ـ في ط : العلم.