مر الكلام فيها.
والفتاوى الراجعة إلى الادلة العقلية ـ وهي : الاستصحاب ، وأقسام المفهوم ـ قليلة في كلامهم ، والمعظم من قبيل الجزئيات المندرجة تحت اصولها التي لا يمكن إرجاعها إلى أحد من الادلة العقلية.
والادلة عند معظم العامة : أيضا منحصرة في أشياء مخصوصة ، نعم قليل من أصحاب أبي حنيفة ... ، كانوا يعملون بالرأي ، ويسمون بأصحاب الرأي ، والظاهر : أنه إما العلم بالاستحسان ، أو المصالح المرسلة ، إذ لا يتصور غيرهما (١).
وكيف يتوهم من له أدنى شائبة من العقل أن معظم فقهائنا ـ كالمفيد ، والمرتضى ، والشيخ الطوسي ، وتلامذتهم ، والمحقق ، والعلامة ، وجميع المتأخرين ـ كانوا يعملون في الاحكام الشرعية بما لم يعمل به أكثر العامة أيضا ، فإن الفتاوى المذكورة في كتب العلامة ، والمحقق ، وغيرهما من المتأخرين ـ شذما يخلو عنها كتب الشيخ الطوسي ونظرائه ، مثل : ابن أبي عقيل ، وابن الجنيد ، والمفيد ، والمرتضى ، وغيرهم ، كما هو مذكور في كتب الاستدلال.
وقد نقل أغلاطا عن (٢) العلامة ، يعلم بأدنى تأمل ، أنه هو الغالط فيها ، وذكر : أن الشهيد الثاني رحمهالله نقل ـ في شرح الشرائع ـ عن العلامة أنه قال في القواعد في مسألة : « أفتيت بهذا بمجرد رأيي ولم أجد فيه نصا وأثرا » (٣).
وأنا أقول : حاشا ثم حاشا مثل ذلك من مثل العلامة رحمهالله ، بل ممن له أدنى فضل وورع ، وقد تصفحت من أول شرح الشرائع إلى أول كتاب الميراث ، فما وجدت مما نقله عينا ولا أثرا ، وهذا القواعد حاضر ، كيف والعلامة ينادي في كتبه الاصولية بانحصار الادلة في : الكتاب ، والسنة ، والاجماع ، والقياس المنصوص العلة ، والاستصحاب ، ثم يفتي بالرأي الذي لم يعمل به
__________________
١ ـ شرح اللمع : ٢ / ٩٦٩.
٢ ـ كذا في ب و ط ، وفي الاصل وأ : من.
٣ ـ الفوائد المدنية ١٧٨.