عن التطويل الذي ذكره ، فإن قوله : « والحرج والعسر يندفعان بتسويغ التقليد في الجملة » كالصريح في أن مراد المستدل المنع من تقليد الميت عند وجود المجتهد الحي ، وإلا فلا يندفع العسر إلا بتقليد الميت كما لا يخفى ، ولكنك عرفت عدم تحقق الاجماع مثل هذه المسائل الاصولية ، وسيما هذه المسألة.
وأقول : الذي يختلج في الخاطر في هذه المسألة ، أن من علم من حاله أنه لا يفتي في المسائل إلا بمنطوقات الادلة ، ومدلولاتها الصريحة ـ كابني بابويه ، وغيرهما من القدماء ـ يجوز تقليده حيا كان أو ميتا ، ولا تتفاوت حياته وموته في فتاواه.
وأما من لا يعلم من حاله ذلك ، كمن يعمل باللوازم غير البينة ، والافراد الخفية (١) ، والجزئيات غير البينة الاندراج ـ فيشكل تقليده حيا كان أو ميتا ، فإن من تتبع ، وظهر عليه كثرة اختلاف الفقهاء في هذه الاحكام ، يعلم أن قليل الغلط في هذه الاحكام قليل ، مع أن شرط صحة التقليد : ندرة الغلط.
والسر فيه : أن مقدمات هذه الاحكام ، لما لم يوجد فيها نص صريح ، كثيرا ما يشتبه فيها الظني بالقطعي ، وربما يشتبه الحال فيتوهم جواز الاعتماد على مطلق الظن (٢) ، فيكثر فيها الاختلاف ، ولهذا قلما يوجد في مقدمات هذا القسم ، مقدمة غير قابلة للمنع ، بل مقدمة لم يذهب أحد إلى منعها وبطلانها.
بخلاف الاختلاف الواقع في القسم الاول ، فإنه يرجع إلى اختلاف الأخبار (٣).
فإن قلت : فعلى هذا يبطل جواز اعتماد المجتهد ـ أيضا ـ على اعتقاده في هذا القسم الثاني.
__________________
١ ـ كلمة ( الخفية ) : زيادة من ب.
٢ ـ في ط : فيتوهم جواز العمل على الظن.
٣ ـ في الكافي [ ١ / ٥٦ ح ١١ ] في باب البدع والرأي والمقاييس : في الصحيح « عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبدالله (ع) ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب ولا سنة ، فننظر فيها؟ فقال : لا ، أما إنك إن اصبت لم تؤجر ، وإن اخطأت كذبت على الله عزوجل ». ( منه رحمهالله ).